عموم المباهلة:
المباهلة ليست خاصَّة بالنبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- بل هي عامَّة لجميع الأمَّة، كما أنها ليسَتْ خاصَّة مع النصارى أو اليهود، بل هي عامَّة مع كلِّ مخالِفٍ يصرُّ على ضَلالِه وعناده، ولا يرجع إلى الحق رغم وجود الحجَّة والبرهان.
قال ابن القيِّم: "إنَّ السنَّة في مُجادَلة أهْل الباطِل إذا قامَتْ عليهم حجَّة الله ولم يَرجِعوا، بل أصرُّوا على العناد- أنْ يدعوهم إلى المباهَلة، وقد أمَر الله- سبحانه- بذلك رسولَه، ولم يقل: إنَّ ذلك ليس لأمَّتك من بعدك" [19] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn19).
قال صديق حسن خان: "والمباهَلة جائزةٌ بعد النبيِّ- صلَّى الله عليه وسلَّم- في أمرٍ مهمٍّ شرعًا، وقَع فيه اشتباهٌ وعناد لا يتيسَّر دفعُه إلا بها، وقد باهَل بعضُ السَّلَف؛ كالحافظ ابن القيِّم في مسألة صفات الباري والحافظ ابن حجر وغيرُهما جماعةً من المقلِّدة، فلم يقوموا بها وانهزَمُوا - ولله الحمد - ومَن منع منها الأمَّة بعد رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- فلم يُصِبْ ولم يأتِ بدليلٍ وكأنَّه جاهلٌ بمسائل الدين" [20] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn20).
وسُئِلت اللجنة الدائمة: هل هي خاصَّة بالنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم؟ وإنْ لم تكن كذلك، فهل هي خاصَّة مع النصارى؟
فأجابت: "ليست المباهَلة خاصَّة بالرسول- صلَّى الله عليه وسلَّم- مع النصارى، بل حكمُها عامٌّ له ولأمَّته مع النصارى وغيرهم؛ لأنَّ الأصل في التشريع العموم، وإنْ كان الذي وقَع منها في زمنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - في طلبه المباهلة من نصارى نجران فهذه جزئيَّة تطبيقيَّة لمعنى الآية لا تدلُّ على حصْر الحكم فيها" [21] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn21).
وقد طلَب المباهَلةَ من العلماء المتقدِّمين والمتأخِّرين والمعاصِرين كثيرٌ؛ منهم: الأوزاعي [22] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn22)، وابن تيميَّة [23] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn23)، وابن قيِّم الجوزيَّة [24] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn24)، وابن حجر [25] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn25)، ومحمد بن عبدالوهَّاب [26] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn26)، وصديق حسن خان [27] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn27)، وثناء الله الأمر تسري [28] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn28)، وأبو مشاري الكويتي [29] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn29)، ومحمد بن سليمان البراك [30] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn30)، ومحمد بن عبدالرحمن الكوس [31] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn31).
الممتنِع من المباهلة:
الممتنِع من المباهلة يُعتَبَر مبطلاً مهزومًا، غير عالِمٍ أنَّه على الْحق.
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة- في امتِناع النصارى عن مباهَلة النبي، صلَّى الله عليه وسلَّم، بعد أنْ دعاهم لها -: "والنصارى لَمَّا لم يعلموا أنهم على الحق نكلوا عن المباهلة" [32] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn32).
عاقبة المباهلة:
ذكَر بعض العلماء أنَّ عاقبة المباهلة تقَع عاجلاً بأحَد المتباهلَيْن، أو في مدَّة لا تَتجاوَز الشهرين.
قال ابن حجر: "وممَّا عرف بالتجربة أنَّ مَن باهَل وكان مبطلاً لا تمضي عليه سنةٌ من يوم المباهلة، ووقَع لي ذلك مع شخصٍ كان يتعصَّب لبعض الملاحِدة فلم يَقُم بعدها إلاَّ شهرين" [33] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#100).
وهو أمرٌ لم يثبت عن النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم - فيه شيء؛ فلا داعي لتحديد مدَّة معيَّنة؛ فلعلَّ وقوعها يكون على الفور، ولعلَّه يقع بعد شهرين، ولعلَّه يقع بعد سنة أو أكثر، ولعلَّه يقَع في الآخِرة وليس في الدنيا.
ونظرًا لخطورة الدعوة إلى المباهلة أو قبول الدعوة إليها، فالأَوْلَى عدم التوسُّع في هذا الباب والخوض فيه، إلاَّ لِمَن تيقَّن له أنَّه لا طريق سِواها في جلْب مصلحة شرعيَّة أو درء مفسَدة قائمة؛ حيث إنَّ المقصود الرئيس منها هو استِبيان الحق ومعرفة الخطأ وإقامة الحجَّة على المخالِف.
وصلَّى الله على سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
¥