تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الوجه السادس عشر: قوله: (فَرَقِيَ الصفا ... ) رَقِيَ: من باب تَعِبَ؛ أي: صَعَدَ، يقال: رقي في السلّم: صعد فيه، ورقي الجبل ونحوه: علاه وصعده، وفي هذا دليل على مشروعية الصعود على الصفا واستقبال البيت، لقوله: (حتى رأى البيت فاستقبل القبلة)، وكانت رؤية البيت في الزمن القديم ممكنة بسهولة، أما الآن فقد حال البناء دون ذلك، وتبقى سُنِّية استقبال البيت ولو لم يره.

الوجه السابع عشر: قوله: (فوحَّد الله وكبَّره، وقال: ... إلخ)، فيه أنه يسن على الصفا في بداية السعي أن يوحّد الله تعالى ويكبره، ويحمده، ويدعو، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه الآتي، ويقول ما ورد هنا.

قوله: (ثم دعا بين ذلك ثلاث مرات) أي: يذكر الله تعالى ويثني عليه، ثم يدعو، ثم يذكر الله، ثم يدعو، ثم يذكر الله تعالى، فيكون الذكر ثلاثاً والدعاء مرتين، لقوله: (ثم دعا بين ذلك).

ويستحب رفع اليدين في هذا الموطن، لثبوته في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في فتح مكة، وفيه: (فلما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلا عليه، حتى نظر إلى البيت، ورفع يديه، فجعل يحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو) [(618)]، وأما في بقية السعي ـ عدا الوقوف على الصفا والمروة ـ وكذا الطواف فلا يشرع رفع اليدين، لعدم ثبوت ذلك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.

وقد ذكر ابن القيم أن حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم تضمنت ست وقفات للدعاء: على الصفا، وعلى المروة، وفي عرفة، وفي مزدلفة، وعند الجمرة الأولى، وعند الجمرة الثانية [(619)].

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه المذكور زيادة أخرى على ما في حديث جابر رضي الله عنه، وهي حمد الله تعالى في بداية الدعاء، وقد ذكر الفقهاء هذا [(620)]، فالعمل بالحديثين حسن، فيحمد الله ويكبره، ثم يقول: لا إله إلا الله ... إلخ.

قوله: (أنجز وعده) أي: بإظهار هذا الدين، وكون العاقبة للمتقين، وغير ذلك من وعده سبحانه وتعالى.

وقوله: (ونصر عبده) أي: نبيه محمداً صلّى الله عليه وسلّم على أعدائه.

وقوله: (وهزم الأحزاب) أي: غلبهم وكسرهم، (وحده) أي: بلا قتال من الناس، وفيه إيماء إلى قوله تعالى: {{وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}} [آل عمران: 126] والمراد بالأحزاب: القبائل الذين اجتمعوا حول المدينة وتحزبوا يوم الخندق، كما قال تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا}} [الأحزاب: 9]، وقال تعالى: {{وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا *}} [الأحزاب: 25].

الوجه الثامن عشر: قوله: (ثم نزل إلى المروة حتى انصبت قدماه في بطن الوادي سعى ... )، قوله: (حتى انصبت) في «صحيح مسلم»: (حتى إذا انصبت) [(621)]، وهذا فيه بيان كيفية السعي، وهو أنه إذا انتهى من الدعاء والذكر نزل من الصفا ماشياً متجهاً إلى المروة، فإذا انصبت قدماه في بطن الوادي، أي: انحدرت، سعى سعياً شديداً، وكان هذا الجزء من المسعى في الزمن السابق وادياً، أما الآن فالأرض كلها مستوية، وقد جُعل العلم الأخضر الأول والثاني علامة على ضفتي هذا الوادي، فيسعى بينهما سعياً شديداً، فإذا جاوزه مشى إلى المروة، وليس على المرأة أو حامل المعذور سعي شديد.

والحكمة من هذا السعي الشديد أنه كان وادياً، والوادي في الغالب يكون نازلاً، وقد كانت أم إسماعيل رضي الله عنها تمشي فيما بين الصفا والمروة، فإذا وصلت الوادي أسرعت في مشيها؛ لأن ابنها يغيب عنها إذا هبطت بطن الوادي.

الوجه التاسع عشر: قوله: (ففعل على المروة كما فعل على الصفا) أي: فيصعد المروة ويقول ما قاله على الصفا من الذكر والدعاء ثلاث مرات.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير