تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ونقل المباركفوري عن التوربشتي بأن هذا الحديث "لا يحمل على التردد في فضل الأول على الآخر، فإن القرن الأول هم المفضلون على سائر القرون من غير شبهة، ثم الذين يلونهم، وفي الرابع اشتباه من قبل الراوي وإنما المراد بهم نفعهم في بث الشريعة والذب عن الحقيقة.

قال القاضي: "نفي تعلق العلم بتفاوت طبقات الأمة في الخيرية، وأراد به نفي التفاوت. كما قال تعالى (قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (يونس:18) أي بما ليس فيهن، كأنه قال: لو كان، لعلم، لأنه أمر لا يخفى، ولكن لا يعلم، لاختصاص كل طبقة منهم بخاصية وفضيلة توجب خيريتها. كما أن كل نوبة من نوب المطر لها فائدة في النشوء والنماء، لا يمكنك إنكارها والحكم بعدم نفعها، فإن الأولين آمنوا بما شاهدوا من المعجزات وتلقوا دعوة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالإجابة والإيمان، والآخرين آمنوا بالغيب، لما تواتر عندهم من الآيات، واتبعوا من قبلهم بالإحسان، وكما أن المتقدمين اجتهدوا في التأسيس والتمهيد، فالمتأخرون بذلوا وسعهم في التلخيص والتجريد، وصرفوا عمرهم في التقرير والتأكيد، فكل ذنبهم مغفور وسعيهم مشكور وأجرهم موفور.

قال الطيبي: "وتمثيل الأمة بالمطر، إنما يكون بالهدى والعلم، كما أن تمثيله صلى الله عليه وآله وسلم الغيث بالهدى والعلم. فتختص هذه الأمة المشبهة بالمطر بالعلماء الكاملين منهم، المكملين لغيرهم، فيستدعي هذا التفسير: أن يراد بالخير، النفع. فلا يلزم من هذا المساواة في الأفضلية. ولو ذهب إلى الخيرية، فالمراد: وصف الأمة قاطبة، سابقها ولا حقها، وأولها وأخرها بالخير، وأنها ملتحمة بعضها مع بعض، مرصوصة بالبنيان، مفرغة كالحلقة التي لا يدري أين طرفاها.

وفي أسلوب هذا الكلام قول الأنمارية: هم كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها. تريد المكملة. ويلح إلى هذا المعنى قول الشاعر:

إن الخيار من القبائل واحد وبنو حنيفة كلهم أخيار

فالحاصل أن الأمة مرتبط بعضها مع بعض في الخيرية، بحيث أبهم أمرها فيها وارتفع التمييز بينها، وإن كان بعضها أفضل من بعض في نفس الأمر. وهو قريب من سوق المعلوم مساق غيره. وفي معناه أنشد مروان بن أبي حفصة:

تشابه يوماه علينا فأشكلا فما نحن ندري أي يوميه أفضل

يوم بداء العمر أم يوم يأسه وما منهما إلا أغر محجل

ومن المعلوم علما جليا أن يوم بداءة العمر أفضل من يوم يأسه، لكن البدء لما يكن يكمل ويستتب إلا باليأس، أشكل عليه الأمر فقال ما قال وكذا أمر المطر والأمة. [27] "

وما ذهب إليه ابن عبدالبر بأن الدين سيعود غريباً، ويرفع العلم، ويفسد الزمان، ويكون المؤمن كالقابض على الجمر فيستوي آخر الأمة بأولها في الفضل فهذا قياس مخالف للنص الوارد في فضل الصحابة على سائر الأمة، وفضل الله لا يقاس عليه. والله أعلم وأحكم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.


[1] انظر شرح النووي على صحيح مسلم (15/ 148)

[2] أخرجه الدارمي في سننه رقم (2744) والطبراني في المعجم الكبير برقم (3538) قال الحاكم (4/ 95):" هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".وقال ابن حجر في الفتح (7/ 6):" وإسناده حسن وقد صححه الحاكم " وأخرجه مسند أبي يعلى رقم (1559)

[3] (20/ 250)

[4] أخرجه الحاكم رقم (6993) قال الحاكم:" هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وأخرجه في المعجم الكبير رقم (160)، أخرجه مسند الإمام أحمد بن حنبل رقم (289). و قال ابن حجر في الفتح (7/ 6):"الحديث أخرجه الطيالسي وغيره لكن إسناده ضعيف فلا حجة فيه"

[5] أخرجه مسلم في صحيحه رقم (249)

[6] شرح صحيح مسلم للنووي (3/ 138)

[7] انظر السلسلة الصحيحة رقم (494)، وصحيح الجامع الصغير رقم (2234).

[8] قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 54):" رواه أحمد والطبراني بأسانيد ورجالها رجال الصحيح غير أيمن بن مالك الأشعري وهو ثقة." والحديث صححه الألباني لشواهده انظر السلسلة الصحيحة رقم (1241)

[9] قال ابن حجر في الفتح (7/ 6):" وهو حديث حسن له طرق قد يرتقي بها إلى الصحة وأغرب النووي فعزاه في فتاويه إلى مسند أبي يعلى من حديث أنس بإسناد ضعيف مع انه عند الترمذي بإسناد أقوى منه من حديث أنس وصححه بن حبان من حديث عمار." قال الألباني في المشكاة (3/ 1770):" صحيح لطرقه".

[10] رواه مسلم في (باب فيمن يود رؤية النبي بأهله وماله)

[11] قال ابن حجر في الفتح (7/ 6):" رواه ابن أبي شيبة بإسناد حسن"

[12] التمهيد لابن عبد البر (20/ 255)

[13] رواه البخاري رقم (3470) واللفظ له، ومسلم رقم (2540)

[14] انظر شرح الكوكب المنير (2/ 474)

[15] رواه مسلم رقم (2531)

[16] رواه البخاري رقم (2740)، ومسلم رقم (2532) واللفظ له

[17] مصنف عبدالرزاق رقم (20377)

[18] رواه الترمذي في "باب ما جاء في فضل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه) وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث موسى بن إبراهيم الأنصاري وروى علي بن المديني وغير واحد من أهل الحديث عن موسى هذا الحديث.

[19] سنن ابن ماجه باب" فضل أهل بدر"

[20] مسند الإمام أحمد رقم (3600)

[21] ذكره ابن القيم في كتاب " إعلام الموقعين" (4/ 139)

[22] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (1/ 502)

[23] رواه مسلم رقم (1017)

[24] فتح الباري (7/ 7)

[25] نقلاً من عون المعبود (11/ 496)

[26] فتح الباري (7/ 6)

[27] تحفة الأحوذي (8/ 138ـ139)
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير