[ابن تيمية يرى كراهة إتيان أهل المدينة لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم]
ـ[البشير أحمد]ــــــــ[18 - 09 - 06, 01:35 م]ـ
المشهور عن ابن تيمية رحمه الله أنه يفرق بين شد الرحل لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين زيارته بدون شد رحل فيمنع الأولى ويستحب الثانية.
وأن في نسبة القول إليه بأنه لا يستحب زيارة القبر لأهل المدينة افتراء عليه وفي ذلك يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله في كتابه القيم البداية والنهاية
(14/ 124) ما نصه: (دخل القاضي جمال الدين بن جملة وناصر الدين مشد الأوقاف وسألاه عن مضمون قوله في مسألة الزيارة فكتب ذلك في درج وكتب تحته قاضي الشافعية بدمشق قابلت الجواب عن هذا السؤال المكتوب على خط ابن تيمية إلى إن قال وإنما المحز جعله زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبور الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم معصية بالإجماع مقطوعا بها فانظر الآن هذا التحريف على شيخ الاسلام فإن جوابه على هذه المسألة ليس فيه منع زيارة قبور الأنبياء والصالحين وإنما فيه ذكر قولين في شد الرحل والسفر إلى مجرد زيارة القبور وزيارة القبور من غير شد رحل إليها مسألة، وشد الرحل لمجرد الزيارة مسألة أخرى والشيخ لم يمنع الزيارة الخالية عن شد رحل بل يستحبها ويندب إليها وكتبه ومناسكه تشهد بذلك ولم يتعرض إلى هذه الزيارة في هذا الوجه في الفتيا ولا قال إنها معصية ولا حكى الاجماع على المنع منها ولا هو جاهل قول الرسول (زوروا القبور فإنها تذكركم الاخرة) والله سبحانه لا يخفى عليه شيء ولا يخفى عليه خافية وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) أهـ
والزيارة المعروفة لقبر النبي عليه الصلاة والسلام هي: الإتيان إليه للصلاة والسلام عليه وتذكر الآخرة.
إلا أنني وقفت لابن تيمية رحمه الله على كلام صرح فيه بأن الزيارة بهذه الصفة إنما هي لغير قبره عليه الصلاة والسلام أما زيارة قبره فليست كذلك بل هي حاصلة بقصد مسجده والصلاة والسلام عليه في الصلاة في المسجد دون الذهاب إلى قبره وادعى أن الصحابة وسائر السلف لم يكونوا يأتون قبره للزيارة وإنما كان يفعله ابن عمر عند السفر وعند الرجوع منه.
وعليه فما يحكى عنه من الإجماع على مشروعية الزيارة للقبر فالمقصود بها عنده: الإتيان إلى مسجده والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام في الصلاة ويكون هذا مغنيا عن الإتيان إلى القبر وأن هذه خصيصة له وتشريف لأنه يبلغ الصلاة والسلام عليه ومن ثم فلا فائدة في الحضور إلى قبره على حد تعبير ابن تيمية وهذه طائفة من أقواله:
قال في مجموع الفتاوي (2/ 242) وهو يرد على خصمه ما نصه: (ظن أن السفر إلى زيارة نبينا كالسفر إلى غيره من الأنبياء والصالحين وهو غلط من وجوه:
أحدها: أن مسجده عند قبره والسفر إليه مشروع بالنص والإجماع بخلاف غيره.
والثاني: أن زيارته كما يزار غيره ممتنعة؟ وإنما يصل الإنسان إلى مسجده وفيه يفعل ما شرع له.
الثالث: أنه لو كان قبر نبينا يزار كما تزار القبور؟ لكان أهل مدينته أحق الناس بذلك كما أن أهل كل مدينة أحق بزيارة من عندهم من الصالحين فلما اتفق السلف وأئمة الدين على أن أهل مدينته لا يزورون قبره بل ولا يقفون عنده للسلام إذا دخلوا المسجد وخرجوا وإن لم يسمى هذا زيارة، بل يكره لهم ذلك عند غير السفر كما ذكر ذلك مالك وبين أن ذلك من البدع التي لم يكن صدر هذه الأمة يفعلونه: علم أن من جعل زيارة قبره مشروعة كزيارة قبر غيره فقد خالف إجماع المسلمين.
الرابع: أنه قد نهى أن يتخذ قبره عيدا وأمر الأمة أن تصلي عليه وتسلم حيث ما كانت وأخبر أن ذلك يبلغه. فلم يكن تخصيص البقعة بالدعاء له مشروعا ; بل يدعى له في جميع الأماكن وعند كل أذان وفي كل صلاة وعند دخول كل مسجد والخروج منه بخلاف غيره. وهذا لعلو قدره وارتفاع درجته. فقد خصه الله من الفضيلة. بما لم يشركه فيه غيره ; لئلا يجعل قبره مثل سائر القبور ; بل يفرق بينهما من وجوه متعددة ويبين فضله على غيره وما من الله به على أمته.
¥