تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[نقد رسالة إلى أهل الثغر باب الأبواب على ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة -1 -]

ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[19 - 09 - 06, 09:07 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ن من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد فهذا بحث متواضع سطرته في التعليق على رسالة أهل الثغر المنسوبة إلى الإمام أبي الحسن الأشعري، دفعني إلى تسطريه أمور منها (1): بيان أن هذه الرسالة غير مسلم نسبتها إلى الأشعري وأن الأرجح نسبتها إلى تلميذه ابن مجاهد، ثم التنبيه على الأخطاء الاعتقادية التي سكت عنها المحقق، وتوضيح ثمرة من ثمرات اعتقاد رجوع الأشعري رجوعا كليا إلى عقيدة السلف، إذ أن محقق الرسالة انطلق من هذه الفكرة وانتهى إليها، كما كان لهذا الاعتقاد أثره الواضح في تعليقاته، والذي حفزني أكثر قول المحقق فيها (ص/66): «ومن هنا كان الكتاب جامعا لعقيدة السلف متطرقا لمعظم ما كان عليه الصدر الأول، ومرجعا لمن أراد الوقوف على عقيدة السلف، وما أجمعوا عليه مؤيدا بالقرآن والسنة» (2). وقد جعلت هذا المبحث في أربعة مطالب: الأول في ترجيح نسبة الرسالة إلى أبي عبد الله ابن مجاهد تلميذ الأشعري، الثاني في القضايا المتعلقة بالإيمان والكفر ونحو ذلك، الثالث في القضايا المتعلقة بالصفات، الرابع في القضايا المتعلقة بالقضاء والقدر.

ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[19 - 09 - 06, 09:10 م]ـ

المطلب الأول:

ترجيح نسبة الرسالة إلى أبي عبد الله ابن مجاهد تلميذ الأشعري

أول شيء ينبغي بيانه أن هذه الرسالة ليست للأشعري، وأن الأرجح أنها من تأليف أبي عبد الله ابن مجاهد المتوفي سنة (370). قال الخطيب البغدادي في ترجمته: «محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب بن مجاهد أبو عبد الله الطائي المتكلم صاحب أبى الحسن الأشعري، وهو من أهل البصرة سكن بغداد وعليه درس القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الكلام» (3).ويدل على أن الكتاب من مؤلفاته أمور هذا بيانها:

أولا: قد نسبها إليه القاضي عياض واصفا إياها بالمشهورة، حيث قال: «وله كتاب في أصول الفقه على مذهب مالك ورسالته المشهورة في الاعتقادات على مذهب أهل السنة التي كتب بها إلى باب الأبواب» (4).

ثانيا: أن هذا الكتاب قد روي من طرق عن أبي بكر إسماعيل بن إسحاق بن عزرة الأزدي القيرواني المالكي (5) عن ابن مجاهد عند أهل المغرب فأسنده ابن عطية في الفهرست وسماه «رسالة في عقود أهل السنة» (6)، وأسنده ابن خير الإشبيلي أيضا في الفهرست من ثلاث طرق قدمها بقوله: «رسالة أبي عبد الله محمد بن أحمد بن يعقوب بن مجاهد الطائي البصري فيما التمسه فقهاء أهل الثغر بباب الأبواب، من شرح أصول مذاهب المتبعين للكتاب والسنة» (7).

ثالثا: أن أبا بكر ابن فُورك لما أحصى كتب الأشعري لم يذكر هذا الكتاب من ضمنها (8)، وهو العارف بمذهب الأشعري ومجرد أقواله، و حجم الرسالة كبير وموضوعها خطير فلو علمها له لم يسكت عنها.

رابعا: قد جاء في مقدمة الكتاب ما يلي «فقد وقفت على ما ذكرتموه في كتابكم الوارد علي بمدينة السلام .. ووقفت أيدكم الله على ما ذكرتموه من إحمادكم جوابي عن المسائل التي كنتم أنفذتموها إلي في العام الماضي وهو سنة سبع وستين ومائتين». يفيد أنها ألفت سنة (268) وهو خطأ قطعا واتفاقا، لأن الأشعري نفسه ولد سنة (260)، وصوابه إن شاء الله سنة (368)، إذ هذا يناسب كون مؤلفها ابن مجاهد. وهذا أولى مما قيل أنها تصحفت من سنة (298) لأن الأشعري حينها لم يزل معتزليا بالبصرة. والكتاب كتب في بغداد.

ولا يقال إن الثاني أقرب من جهة أن الأرقام جاءت في الكتاب المخطوط مكتوبة بالحروف، لأنه يحتمل أن يكون مصحفها هو غير ناسخ المخطوط المعتمد، فقد يكون التصحيف وقع في الأصل المنقول عنه أو أصل أصله ولا ندري كيف كتب التاريخ فيها.

خامسا: أن أقدم من نسبها إلى الأشعري هو ابن عساكر في تبيين كذب المفتري، مسميا إياها: «جواب مسائل كتب بها إلى أهل الثغر في تبيين ما سألوه عنه من مذهب أهل الحق» (9).

ومن نسبها إليه من بعده كابن تيمية وابن القيم إنما هو تابع له (10)، وهذه النسبة لا تقوى على معارضة الدلائل التي ذكرت، خاصة روايتها بالإسناد المتصل عن مؤلفها ابن مجاهد، والاعتماد على مجرد أن نسبها إليه عالم أو عدد من العلماء ليس من الأساليب العلمية اليقينية في نسبة الكتاب إلى مصنفه، فلا تبلغ مبلغ السماعات المثبتة على المخطوط أو الأسانيد المذكورة في الفهارس و المشيخات أو نسبتها إلى المؤلف من طرف تلاميذه العارفين به، أو أن يذكرها المصنف في كتب أخرى له، أو إحالته منها إلى كتبه أو ذكره لشيوخه فيها …الخ وإذا كان الطريق ظنيا فإنه يسقط إذا وجد المعارض الأقوى منه. زيادة على هذا فإن ابن عساكر لم ينقل لنا منها شيئا لنعلم اطلاعه عليها ولنتبين أنها هي التي بين أيدينا وليست رسالة أخرى.

سادسا: وكذلك اعتماد ما كتب على ظهر المخطوط لا يصلح في مثل هذا الموضع، لأن النساخ الذين ذكروا غير معروفين ولم يذكروا سماعاتهم أو أسانيدهم إلى المصنف.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير