[أهل السنة يعرفون الحق ويرحمون الخلق (د. عبد العزيز العبد اللطيف)]
ـ[نياف]ــــــــ[11 - 09 - 06, 01:52 ص]ـ
أهل السنة يعرفون الحق ويرحمون الخلق
د. عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن من القضايا الملحة التي ينبغي الاعتناء بها علماً وعملاً موضوع الصفات السلوكية والأخلاقية عند أهل السنة والجماعة. فإن الناظر إلى واقع كثير من دعاة أهل السنة يرى ما هم عليه من تفرّق وخصومة وتناحر بل ربما تجاوز ذلك إلى حد التضليل والتفسيق.
ويبدو أن من الأسباب الرئيسية المؤدية إلى هذا الواقع المحزن الغفلة عن الالتزام بالصفات السلوكية والأخلاقية لأهل السنة، فأنت ترى أن أولئك الدعاة على توجه واحد، ومنهج واحد في الاستدلال، ومع ذلك كله فلا اجتماع ولا وئام، بل تشرذم وتناحر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
لقد اعتنى السلف الصالح بالجانب السلوكي الأخلاقي علماً وفقهاً، كما حققوه عملاً وهدياً، بل إن أئمة السلف يوردون الصفات السلوكية والأخلاقية لأهل السنة في ثنايا كتب العقيدة، وعلى سبيل المثال فهذا قوام السنة إسماعيل بن محمد الأصبهاني (ت 535هـ) يقول:
» ومن مذهب أهل السنة التورّع في المآكل والمشارب والمناكح، والتحرز من الفواحش والقبائح، والتحريض على التحاب في الله عز وجل، واتقاء الجدال والمنازعة في أصول الدين، ومجانبة أهل الأهواء والضلالة، وهجرهم ومباينتهم، والقيام بوفاء العهد والأمانة، والخروج من المظالم والتبعات، وغضّ الطرف عن الريبة والحرمات، ومنع النفس عن الشهوات، وترك شهادة الزور وقذف المحصنات، وإمساكُ اللسان عن الغيبة والبهتان، والفضول من الكلام، وكظم الغيظ، والصفح عن زلل الإخوان، والمسابقة إلى فعل الخيرات، والإمساك عن الشبهات، وصلة الأرحام، ومواساة الضعفاء، والنصيحة في الله، والشفقة على خلق الله، والتهجد لقيام الليل لا سيما لحملة القرآن، والبدار إلى أداء الصلوات [1].
والحديث عن تلك الصفات السلوكية حديث طويل، ولكن حسبي في هذه المقالة أن أشير إلى إحدى تلك الصفات المهمة، ألا وهي أن أهل السنة يعلمون الحق، ويرحمون الخلق، فإنهم أصحاب هدى واتباع، وأرباب عمل واقتداء، ومن ثم كانوا أعلم الناس بالحق، وأحرص الناس على تبليغ الدين والدعوة إليه، ومنابذة أهل الأهواء والبدع، وفي الوقت نفسه فإنهم يرحمون الخلق، ويريدون لهم الخير والهدى، ولذا كانوا أوسع الناس رحمةً وأعظمهم شفقة، وأصدقهم نصحاً.
يقول ابن تيمية في هذا المقام:
وأئمة السنة والجماعة وأهل العلم والإيمان فيهم العلم والعدل والرحمة، فيعلمون الحق الذي يكونون به موافقين للسنة، سالمين من البدعة ويعدلون على من خرج منها ولو ظلمهم، كما قال تَعالَى: ((كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)) ويرحمون الخلق، فيريدون لهم الخير والهدى والعلم، لا يقصدون الشر لهم ابتداء، بل إذا عاقبوهم، وبينوا خطأهم وجهلهم وظلمهم، كان قصدهم بذلك بيان الحق ورحمة الخلق «[2].
ويقول ابن رجب في هذا الصدد:
» كان خلفاء الرسل وأتباعهم من أمراء العدل وأتباعهم وقضاتهم لا يدعون إلى تعظيم نفوسهم البتة، بل إلى تعظيم الله وحده، وإفراده بالعبودية والإلهية، ومنهم من كان لا يريد الولاية إلا للاستعانة بها على الدعوة إلى الله وحده.
وكانت الرسل وأتباعهم يصبرون على الأذى في الدعوة إلى الله ويتحملون في تنفيذ أوامر الله من الخلق غاية المشقة وهم صابرون بل راضون بذلك، كما كان عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- يقول لأبيه في خلافته:» إذا حُرِص على تنفيذ الحق وإقامة العدل يا أبت لوددت أني غَلَتْ بي وبك القدور في الله عز وجل وقال بعض الصالحين:» وددت أن جسمي قُرِّض بالمقاريض، وأن هذا الخلق كلهم أطاعوا الله عز وجل «ومعنى هذا أن صاحب ذلك القول قد يكون لحظ نصح الخلق والشفقة عليهم من عذاب الله، وأحب أن يقيهم من عذاب الله بأذى نفسه، وقد يكون لحظ جلال الله وعظمته، وما يستحقه من الإجلال والإكرام والطاعة والمحبة، فود أن الخلق
¥