الشرط الثاني: أن تكون المعجزة خارقة للعادة المألوفة
وأما هذا الشرط فإن كان المقصود به العادة المألوفة لغير الأنبياء فهو شرط صحيح وإلا سيأتي ما فيه، وهو مع هذا التقييد يستغنى عنه بما ذكر في الشرط الأول، وبما ذكر في التقديم لهذه الشروط: «وقد ذكر أهل العلم للمعجزة شروطا وأوصافا لا يدل الأمر الخارق على صدق المدعي للنبوة إلا إذا تحققت فيه… نجملها فيما يلي». فعلى هذا يكون قد جعل الشيء شرطا لذات الشيء وهذا لا يستقيم. وأما الإطلاق المذكور ففيه نظر من وجوه بينها شيخ الإسلام في النبوات:
1 - أن كون العادة مألوفة أمر غير مضبوط وإضافي فما يألفه قوم لا يألفه آخرون، وما يعتاده أهل الفن لا يعتاده أهل الفن الآخر (11).
2 - أن هذا الشرط شرط لم يدل عليه دليل ولا نقل عن السلف، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وكون الآية خارقة للعادة أو غير خارقة هو وصف لم يصفه القرآن ولا الحديث ولا السلف وقد بينا في غير هذا الموضع أن هذا وصف لا ينضبط وهو عديم التأثير فإن نفس النبوة معتادة للأنبياء خارقة للعادة بالنسبة لغيرهم .. » (12).
3 - أن الله تعالى لا ينقض عادته وهي سنته التي قال فيها:? ولن تجد لسنة الله تبديلا ? [الفتح 23] ولم تكن له سبحانه عادة بأن يجعل مثل آيات الأنبياء لغيرهم حتى يقال إنه خرق عادته ونقضها، بل عادته وسنته المطردة أن لا تكون تلك الآيات إلا للأنبياء (13).
الشرط الثالث: أن يستشهد بها مدعي الرسالة على الله عز وجل فتقع عقب دعواه.
الشرط الرابع: أن تقع على وفق دعوة (ربما كان المراد دعوى) المتحدي بها المستشهد بكونها معجزة له.
وقد تضمن هذان الشرطان معنى الاستشهاد والتحدي وأن المعجزة تقع عقب الدعوى موافِقة لما أراده المستشهد المتحدي وفي كل ذلك نظر من وجوه:
1 - أن من معنى الشرط ما يتوقف المشروط على تحققه فما لم يتحقق فيه هذا الوصف لا يكون معجزة أي دلالة على صدق النبوة، وهذا أمر باطل فإن أكثر المعجزات لم يقع بها استشهاد أو استدلال، قال شيخ الإسلام: «إن آيات الأنبياء ليس من شرطها استدلال النبي بها ولا تحديه بالإتيان بمثلها بل هي دليل على نبوته وإن خلت عن هذين القيدين» (14).
2 - من الآيات الدالة على صدق نبينا ? حادثة الإسراء والمعراج مع أنه لم يتحقق فيها هذه الشروط «استشهادٌ وتحدٍ فوقوع»، لذلك إن قيل إن الاستشهاد شرط في المعجزات التي هي أخص من الآيات على رأيٍ!! قيل: هذه حادثة الإسراء قد عددتموها من المعجزات، فلو كنتم ترون هذا التفريق صحيحا لما وصفتموها بأنها من أعظم المعجزات.
3 - أن الآيات أو المعجزات أدلة في حد ذاتها على صحة النبوة وليس من شرط صحة الدليل أن يستشهد به أو أن يستدل به (15).
4 - ويلزم أيضا من اعتبار هذا الشرط تعطيل أكثر ما جاء به الأنبياء من الآيات عن أن يكون معجزا ودالا على صدقهم، قال شيخ الإسلام: «ومما يلزم أولئك أن ما كان يظهر على يد النبي ? في كل وقت من الأوقات ليست دليلا على نبوته لأنه لم يكن كلما ظهر شيء من ذلك احتج به وتحدى الناس بالإتيان بمثله، بل لم ينقل عنه التحدي إلا في القرآن خاصة، ولا نقل التحدي عن غيره من الأنبياء مثل موسى والمسيح وصالح ولكن السحرة لما عارضوا موسى أبطل معارضتهم» (16). وقال: «بل هذا إبطال لأكثر آيات الأنبياء لخلوها عن هذا الشرط ثم هو شرط بلا حجة» (17). وقال: «والقرآن إنما تحداهم لما قالوا إنه افتراه ولم يتحدهم ابتداء» (18).
5 - أنَّ هذين الشرطين قد تضمنا دعوى النبوة والاحتجاج بالآية على صدق المدعي، وهذا القيد ربما صرح من وضعه أن المراد به الاحتراز عن الكرامات وهذا خلاف ما اختاره أهل التحقيق من أهل السنة، قال شيخ الإسلام: «وهذا الذي قالوه يوجب أن لا تكون كرامات الأولياء من جملة المعجزات، وقد ذكر غير واحد من العلماء أن كرامات الأولياء معجزات لنبيهم وهي من آيات نبوته وهذا هو الصواب» (19). وقال أيضا: «وأما الرابع وهو أن يكون عند تحدي الرسول فبه يحترزون عن الكرامات وهو شرط باطل بل آيات الأنبياء آيات وإن لم ينطقوا بالتحدي بالمثل» (20).
الشرط الخامس: ألا يأتي أحد بمثل ما أتى به على وجه المعارضة
¥