يقول: ' فكنتُ أنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخي عبد القادر -أي: عبد القادر الجيلاني شيخ القادرية - خلفي، وابن الرفاعي -أي: أحمد الرفاعي شيخ الرفاعية - خلف عبد القادر، ثم التفت إليَّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: يا إبراهيم! سر إلى مالك -خازن النيران- وقل له يغلق النيران، وسر إلى رضوان -خازن الجنة- وقل له يفتح الجنان، ففعل مالك ما أُمر به، وفعل رضوان ما أُمر به!! ' ... إلى آخر ما ذكره من الكلام.
نعود إلى البيروني يقول [ص:16]: وإلى طريق بانتجل -هذا الهندي الذي سبق ذكره- ذهبت الصوفية في الاشتغال بالحق، فقالوا: مادمتَ تشير فلستَ بموحدٍ؛ حتى يستولي الحقُّ على إشارتك بإثنائه عنك، فلا يبقى مشيرٌ، ولا إشارةٌ '. -أي: وحدة الوجود الكاملة-.
ويقول: ' ويوجد في كلامهم ما يدل على القول بالاتحاد؛ كجواب أحدهم عن الحقِّ، وكيف لا أتحقق مَن هو أنا بالإنيَّة، ولا أنا بالأَيْنِيَّة '.
هذا كلام أحد أئمَّة التصوف سئل عن الله فأجاب بأنه هو يقصد نفسه!
ومن الأدلة التي ذكرها البيروني على قول الحلولية بالحلول قول أبي بكر الشبلي [18]- وهو مِن أئمَّة التصوف -: ' اخلع الكلَّ تصل إلينا بالكلية فتكون ولا تكون إخبارك عنا وفعلك فعلنا '.
أي: الكلام الذي تقوله هو عنَّا.
' وكجواب أبي يزيد البسطامي، وقد سُئل: بم نلت ما نلت؟
قال: "إنِّي انسلختُ مِن نفسي، كما تنسلخ الحيَّةُ مِن جلدها، ثم نظرتُ إلى ذاتي فإذا أنا هو.
وقالوا في قول الله تعالى: فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا [البقرة:73]: إنَّ الأمر بقتل الميت لإحياء الميت: إخبارٌ أنَّ القلب لا يحيا بأنواع المعرفة إلا بإماتة البدن بالاجتهاد، حتى يبقى رسماً لاحقيقة له، وقلبك حقيقة ليس عليه أثر مِن المرسومات.
وقالوا: إنَّ بين العبد وبين الله ألف مقام مِن النُّور والظلمة، وإنَّما اجتهد القوم في قطع الظلمة إلى النُّور، فلمَّا وصلوا إلى مقامات النُّور: لم يكن لهم رجوعٌ ' [19] انتهى كلام البيروني.
وهو يقول: إن هذا الكلام بعينه هو كلام الهنود وهو الذي سار عليه أئمة التصوف.
أول من أسس دين التصوف
أقول: إنَّ الثابتَ مِن الكتب التي كتبها كثيرٌ مِن المعاصرين عن الصوفية، ومِن القدماء: أنَّ أولَّ مَن أسَّس التصوف هم: الشيعة، وأنَّ هناك -بالذات- رجليْن كانا لهما دورٌ في ذلك:
الأول: يسمَّى عبدك، والثاني: يسمَّى أبو هاشم الصوفي المتوفى سنة (150هـ)، أو أبو هاشم الشيعي، فعبدك، وأبو هاشم هؤلاء هما اللذان أسَّسا دين التصوف [20].
عندما نريد أن نتحدث عن عبدك، وعن أبي هاشم: ننتقل إلى مصدرٍ مهمٍّ جدّاً مِن مصادر الفِرَق الإسلاميَّة وهو كتاب التنبيه والرد لأبي الحسين الملطي الشافعي رحمه الله.
الإمام الملطي يحكي ما قاله الإمام خشيش بن أصرم في الزنادقة
ومِن المهم جدّاً مِن الناحية الوثائقيَّة أنْ نعرف أنَّ كتاب الملطي هذا منقولٌ من كتاب الإمام خشيش بن أصرم -وهذا رجلٌ، عالِمٌ، إمامٌ، ثقةٌ، وهو شيخ الإمام أبي داود، والنسائي، وهو مِن الأئمَّة المعاصرين للإمام أحمد توفى سنة (253هـ) - وهذا يعطي كتابَه أهميَّة كبيرة؛ لأنَّه متقدم في الفترة المبكرة جدّاً التي لم تكن كلمة صوفي فيها قد شاعت وانتشرت، فماذا قال الإمام خشيش بن أصرم رحمه الله عن هذه الفرقة -كما نقل عنه الملطي - 1002531وماذا قال عن عبدك، وعن أبي هاشم، وعن جابر بن حيان [21]، الذي يقال له: جابر الكيميائي، وهو أيضاً ممن نُسب إليه أنَّه أول مَن أسَّس التصوف وقد قرأت له مجموعة رسائل طبعها أحد المستشرفين يظهر فيها بجلاء أنَّ الرجل شيعي تماماً، وقد عاش جابر في القرن الثاني!!
أقسام الزنادقة
قال أبو الحسين الملطي رحمه الله تعالى: ' قال أبو عاصم خشيش بن أصرم -والإسناد عنه في أول الكتاب- في افتراق الزنادقة: فافترقت الزنادقة على خمس فرق، وافترقت منها فرقة على ست فرق ... -إلى أن يقول-: ومنهم -أي: من أقسام الزنادقة- العبدكية، زعموا أنَّ الدنيا كلَّها حرامٌ محرَّم، لا يحل الأخذ منها إلا القوت، من حين ذهب أئمَّة العدل، ولا تحل الدنيا إلا بإمام عادل، وإلا فهي حرام، ومعاملة أهلها حرام، فحِلٌّ لك أن تأخذ القوت من الحرام، مِن حيث كان!
¥