أقول: ولذلك يُصِرُّون على حديث: {مَن حجَّ ولم يزرني فقد جفاني} [47] ليستفيدوا به في مثل هذا الموضع، فإذا قلتَ لهم: هذا الحديث ضعيف لا تراهم يدافعوا عنه؛ لأنه لم يثبت عن رسول الله، يدافعوا عنه لأنه يبطل دعواهم هم.
يقول: 'فقلتُ: مَن هم يا رسول الله؟! فقال: خمسة مِن الأحياء، وخمسة مِن الأموات، فقلت: مَن الأحياء؟ قال: -فلان، وفلان .. إلى أن يقول- خرجتُ في طلب القوم، وليس الخبر كالمعاينة، ومَن شكَّ فقد أشرك!! فأتيتُ الأحياء، فحدثوني أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لهم كذلك، قال: وأتيتُ الأموات فحدَّثوني، فلمَّا أتيتُ الشيخ محمد النهاري قال: مرحباً برسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت له: بم نلتَ هذا؟ قال: قال الله عز وجل: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282] '.
كرامات الجعبري
ومِن كرامات ما يسمُّونه علي بن أحمد الجعبري: أنَّه كان إذا جاء ليدخل باباً فوجده مغلقاً دخله مِن شقوقه التي لا تسع نملة.
قال النبهاني: ' ومرَّ يوماً بالشارع بدارٍ وإذا هو بامرأة جميلة، فوقف زماناً، ثم صاح، وإذا بها نزلت، وأتت بالشهادتين، وكانت نصرانية! فقال لمن معه: نظرتُ إلى هذا الجمال الباهر، فقال: أنقذني مِن هذا الكفر الظاهر، فتوجهت فأسلمتْ '.
يعني: النَّظر إلى المحرمات، أو كشف العورات لا إشكال! فهو كثير جدّاً، ننقل واحدة منها:
كرامات الكردي
المدعو علي الكردي وهو يعتبر مِن أوليائهم، أنَّ السهروردي لما جاء إلى دمشق قال: أريد أن أزور علي الكردي، فقال له الناس: يا مولانا لا تفعل وأنت إمام الوجود، وهذا رجل لا يصلِّي ويمشي مكشوف العورة أكثر أوقاته - لاحظوا هذا الولي لا يصلِّي، ويمشي أكثر أوقاته وهو مكشوف العورة - قال: لا بدَّ مِن ذلك، فساعة دخوله مِن الباب خرج الشيخ علي من دمشق ... فلم يدخلها بعد ذلك، فقالوا للشيخ السهروردي: هو في الجبَّانة، فركب بغلته، ودخل يمشي إليه، فلمَّا رآه علي الكردي قد قرب منه كشف عورته، فقال الشيخ شهاب الدين: ما هذا شيءٌ يصدُّنا عنك وها نحن ضيفك -يعني: مهما كشفت لا يصدُّنا-.
وسأنقل ما ذكره صاحب المشرع الروي في فضائل آل با علوي عن بعض العارفين، قال: ' أقمتُ بمكة المشرفة سنين، وكنتُ أجد في المسجد الحرام أنساً جسيماً، وتجليّاً عظيماً، فلمَّا وصلت تريم ودخلت مسجد آل با علوي وجدتُ ذلك الأنس والتجلِّي، وكذا وجدته في مسجد عمر المحضار، ومسجد محمد بن حسن جمل الليل ' -يعني: يشبِّه هذه المساجد بالحرم، وأغرب مِن هذا أنَّ اللَّجنة التي يرأسها الشاطري -مِن أهل جدة - والتي طبعت الكتاب أنَّها حذفت بعض الكرامات، ولم أتمكن مِن الرجوع للطبعة القديمة التي لا يوجد الحذف فيها.
9 - الجهاد عند الصوفية
بقي أمر آخر عند الصوفية نتكلم عنه وهو جهاد الصوفية كيف يجاهدون؟ يمكن أن يقول أحد من الناس الصوفية لا يجاهدون! وأجيب: بلى، هم يقولون: نحن نجاهد، وسأقرأ لكم الآن عن أحدِ أئمَّتهم كيف جاهد.
هذا أحدهم اسمه محمد بن الشيخ أبي بكر العردوك، يقول النبهاني: "تأهب الشيخ محمد وتحزَّم، وأخذ عمود خيمته، وجعل يقاتل في الهواء غائب العقل ظاهراً! والجماعة حوله يعلمون أنه في أمر مهمَّ، وبقي إلى مثل ذلك الوقت مِن نهارِ الخميس تاليه، ثم استلقى كالميت، وكُلُّ ما عليه مع بدنه، وعموده ملطخ بالدماء، ثم أفاق بعد ساعة والجماعة حوله يبكون، فقبَّلوا يديه ورجليه، وسألوه عمَّا جرى، فأخبرهم بأنَّه قاتل جيش التتار، وقتل كبيرهم وأنَّهم في هذا اليوم ينكسرون، وانكسر التتار بأرض حمص يوم الخميس.
أقول: الشيخ حاربَهم وهو قاعد يضارب في الهواء.
وهناك شيخ آخر اسمه: الشيخ برق، قال النبهاني: ' روينا أنَّ قاضي دمشق مرَّ يوماً راكباً بمكان بدمشق فنظر إليه الشيخ برق قائماً، وبين يديه جبَّة غليظة، وهو يضربه بخشبة غليظة، والدم يرتفع مِن ذلك المضروب في الهواء، ويرشرش ماحوله -أي: ماحول الشيخ- والشيخ منزعج، يصيح مرة، ويهيم مرة، ويصير كالسكران إلى أن أفاق الشيخ ورجع إلى حكم الظاهر، فسأله ما الخبر؟ فقال: حضرتُ الساعةَ وقعة المنصورة، وكان جميع ما يرى مِن الضرب وظهور الدماء مِن تلك الوقعة، وقد نصرتُ المسلمين وخذلت الكافرين '.
¥