ولهذا تعريف التأويل قالوا نقل الكلام أو صرف اللفظ, نقل الكلام من ظاهره المتبادر منه إلى غيره بقرينة، أو صرف اللفظ، فنقل الكلام أو صرف الكلام عن ظاهره هذا راجع إلى الظاهر التركيبي, وصرف اللفظ عن ظاهره هذا راجع إلى اللفظ الإفرادي فمثلا في قول الله جل وعلا ?الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى? [طه:5]، قالوا استوى بمعنى: استولى أو هيمن, هذا تفسير لكلمة استوى, هنا نقل اللفظ من ظاهره إلى معنى آخر بقرينة, ظاهر اللفظ هنا أن استوى بمعنى: علا. هذا معناها في اللغة, فأولوها بمعنى استولى فصار هذا تأويلا, هل هذا تأويل سائغ أم غير سائغ؟ نقول هذا تأويل باطل غير سائغ؛ لأنه نقل اللفظ عن ظاهره المتبادر منه بغير قرينة, القرينة التي يدّعونها, القرينة العقلية, والقرينة العقلية مبنية على أنْ يكون العقل تصوَّر امتناع إثبات ظاهر اللفظ, فلذلك نقله, ومن المتقرر أنّ علوّ الله جل وعلا على عرشه لا يمتنع عقلا –اليس كذلك؟ - ما نقول ثابت عقلا، العلو ثابت عقلا الاستواء على العرش لا يمتنع عقلا، فعلى تقدير مجاراتهم في كلامهم نقول هو جائز عقلا, وإذا كان كذلك فيكون نقل اللفظ من ظاهره إلى غيره يكون تأويلا باطلا.
هناك تأويل صحيح ممثل ما ذكر من الآيات مثل قول الله جل وعلا ?فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ? [النحل:26]، ظاهره؛ ظاهر اللفظ أن الإتيان هنا لله جل وعلا (أَتَى اللَّهُ) يعني أنّ الله يأتي لكن أجمع أهل السنة على أنّ هذه الآية ليست من آيات صفة الإتيان، لم؟ لأن الظاهر هنا ظاهر تركيبي ?فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ? [النحل:26] معلوم أنّه لما قال (مِنَ الْقَوَاعِدِ) بأن الله جل وعلا لم يأتِ من القواعد بذاته ?فَخَرَّ عَلَيْهِمْ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ? [النحل:26]، وإنما أتى الله جل وعلا بصفاته يعني بقدرته, بعذابه, بنكاله, كذلك قول الله جل وعلا?أَلَمْ تَرَى إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ? [الفرقان:45] , (أَلَمْ تَرَى إِلَى رَبِّكَ) ليس معناه رؤية الله جل وعلا حيث يمد الظل, وإنما تُرى قدرته جل وعلا حيث يمد الظل، فهذا الظاهر تركيبي، هذا لا يُسمى تأويلا أصلا؛ لأنه القول بظاهر الكلام فما نقلنا الكلام وما صرفنا الكلام عن ظاهره.
فإذن القاعدة المقررة عند أهل السنة أنه في نصوص الغيبيات؛ في الصفات أو في ما يكون يوم القيامة, أو في الملائكة, إلى غير ذلك، لا تأويل فيها، فنأخذ بالظاهر, هذا الظاهر تارة يكون ظاهرا من جهة اللفظ, و تارة يكون ظاهرا من جهة التركيب.
في قول الله جل وعلا? تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ? [الملك:1]، قد تجد من يفسرها بقوله (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) يعني في قبضته وتحت تصرفه, وهذا التفسير إذا كان مع إثبات صفة اليد لله جل وعلا فهو تفسير سائغ؛ لأن الملك بيده, بمعنى أنه تحت تصرفه، لكن في الآية إثبات صفة اليد.
في قول الله جل وعلا ?يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ? [الفتح:10]، قال ابن كثير وغيره: هذا تشديد في أمر البيعة. هذا فيه إثبات صفة اليد لله جل وعلا ومعنى الكلام في ظاهره التركيبي مع إثبات صفة اليد أنّ فيه تشديد أمر البيعة.
فإذا كان أحد من المفسرين فسر بالظاهر التركيبي أو فسر بالمتضمن للكلام، أو فسر باللازم فتنظر فيه هل يؤول الصفات أو لا يؤولها؟ فمثلا لو نظرت إلى هذه الآية (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) ووجدت أن في هذه الآية لم يثبت صفة اليد وإنما قال هذا تشديد في أمر البيعة لأجل أن لا ينكث بها أحد.
تنظر في الموضع الآخر لقوله جل وعلا ?مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ? [ص:75]، وفي قوله ?يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ? [المائدة:64]، هل في ذلك إثبات صفة اليد عند هذا المفسر أو لا؟ فإن أوّل في ذلك الموضع علمنا أنه في هذا الموضع أوّل، وإن أثبت في ذلك الموضع علمنا أنه في هذا الموضع فسّر باللازم والمتضمن.
¥