وقد يقوِّي المعنى الثاني بما تقدم من حديث مالك وغيره عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((لا تقتسم ورثتي ديناراً، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة)).
وهذا اللفظ مخرج في الصحيحين، وهو يرد تحريف من قال من طائفة الشيعة في رواية هذا الحديث: ما تركنا صدقة بالنصب، جعل - ما - نافية، فكيف يصنع بأول الحديث وهو قوله: لا نورث؟!.
وبهذه الرواية: ((ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة)) وما شأن هذا إلا كما حكي عن بعض المعتزلة أنه قرأ على شيخ من أهل السنة ((وكلَّم الله موسى تكليماً)) بنصب الجلالة فقال له الشيخ: ويحك كيف تصنع بقوله تعالى: ((فلما جاء موسى لميقاتنا فكلَّمه ربه)).
والمقصود: أنه يجب العمل بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا نورِّث ما تركنا صدقة)) على كل تقدير احتمله اللفظ، والمعنى فإنه مخصص لعموم آية الميراث، ومخرج له عليه السلام منها، إما وحده أو مع غيره من إخوانه الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام. ا. هـ.
وقال الحافظ بن حجر في الفتح (ج6 ص284) " و أما سبب غضبها مع احتجاج أبي بكر بالحديث المذكور فلاعتقادها تأويل الحديث على خلاف ما تمسك به أبو بكر و كأنها اعتقدت تخصيص العموم في قوله "لا نورث" , ورأت أن منافع ما خلفه من أرض و عقار لا يمتنع أن تورث عنه , وتمسك أبو بكر بالعموم , و أختلفا في أمر محتمل للتأويل , فلما صمم على ذلك انقطعت عن الاجتماع به لذلك , فإن ثبت حديث الشعبي أزال الاشكال (يشير إلى الحديث الذي أخرجه البيهقي المتقدم: لما مرضت فاطمة أتاها أبو بكر الصديق فاستأذن عليها فقال علي: يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك؟
فقالت: أتحب أن آذن له؟
قال: نعم!
فأذنت له فدخل عليها يترضّاها فقال: والله ما تركت الدار والمال، والأهل، والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله ومرضاة رسوله ومرضاتكم أهل البيت، ثم ترضّاها حتَّى رضيت.) , وأخلق بالأمر أن يكون كذلك لما علم من وفور عقلها و دينها عليها السلام " ا. هـ.
وأنظر كلام شيخ الإسلام بن تيمية في المنهاج (ج5ص270)
(6) لفتة مهمة من رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى فاطمة و علي رضي الله عنهما إلى ترك هذا الميراث
أخرج الإمام البخاري في صحيحه (3113) أن فاطمة عليها السلام اشتكت ما تلقى من الرحى مما تطحن , فبلغها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بسبي , فأتته تسأله خادما فلم توافقه , فذكرت لعائشة فجاء النبي صلى الله عليه و آله و سلم فذكرت ذلك عائشة له , فأتانا و قد أخذنا مضاجعنا , فذهبنا لنقوم فقال " على مكانكما " حتى وجدت برد قدميه على صدري فقال: " ألا أدلكما على خير مما سألتماه: إذا أخذتما مضاجعكما فكبّرا الله أربعا و ثلاثين , و احمدا ثلاثا و ثلاثين , و سبحا ثلاثا و ثلاثين فإن ذلك خير لكما مما سألتماه ".
قلت (محمود) وفي الحديث إشارة لطيفة جدا منه صلى الله عليه و آله وسلم إلى ترك متاع الدنيا القليل و التزود للآخرة بالأعمال و القربات الصالحة فذلك خير.
وأيضا أخرج البخاري (4433) عن عائشة رضي الله عنها قالت: دعا النبي صلى الله عليه و سلم في شكواه الذي قبض فيه , فسارّها بشيء فبكت , ثمّ دعاها فسارها بشيء فضحكت , فسألنا عن ذلك فقالت: سارّني النبي صلى الله عليه و آله وسلم أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه فبكيت , ثم سارّني فأخبرني: أني أول أهله يتبعه فضحكت