قال أبو جعفر ومعلوم أنه لو كان قد أماته الله عز وجل لم يكن بالذي يميته ميتة أخرى فيجمع عليه ميتتين لأن الله عز وجل إنما أخبر عباده أنه يخلقهم ثم يميتهم ثم يحييهم كما قال جل ثناؤه الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء فتأويل الآية إذا قال الله لعيسى يا عيسى إني قابضك من الأرض ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا فجحدوا نبوتك
أضواء البيان
فإن قيل إن كثيرا ممن لا تحقيق عندهم يزعمون أن عيسى قد توفي ويعتقدون مثل ما يعتقده ضلال اليهود والنصارى ويستدلون على ذلك بقوله تعالى) إذ قال الله ياعيسى إني متوفيك ورافعك إلى (وقوله) فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم (
فالجواب أنه لا دلالة في إحدى الآيتين ألبتة على أن عيسى قد توفي فعلا
أما قوله تعالى) إني متوفيك (فإن دلالته المزعومة على ذلك منفية من أربعة أوجه
الأول أن قوله) متوفيك (حقيقة لغوية في أخذ الشيء كاملا غير ناقص والعرب تقول توفي فلان دينه يتوفاه فهو متوف له إذا قبضه وحازه إليه كاملا من غير نقص
فمعنى) إني متوفيك (في الوضع اللغوي أي حائزك إلي كاملا بروحك وجسمك
ولكن الحقيقة العرفية خصصت التوفي المذكور بقبض الروح دون الجسم ونحو هذا مما دار بين الحقيقة اللغوية العرفية فيه لعلماء الأصول ثلاثة مذاهب
الأول هو تقديم الحقيقة العرفية وتخصيص عموم الحقيقة اللغوية بها
وهذا هو المقرر في أصول الشافعي وأحمد وهو المقرر في أصول مالك إلا أنهم في الفروع ربما لم يعتمدوه في بعض المسائل
وإلى تقديم الحقيقة العرفية على الحقيقة اللغوية أشار في مراقي السعودي بقوله وإلى تقديم الحقيقة العرفية على الحقيقة اللغوية أشار في مراقي السعودي بقوله
واللفظ محمول على الشرعي
إن لم يكن فمطلق العرفي
فاللغوي على الجلي ولم يجب
بحث عن المجاز في الذي انتخب
المذهب الثاني هو تقديم الحقيقة اللغوية على العرفية بناء على أن العرفية وإن ترجحت بعرف الاستعمال فإن اللغوية مترجحة بأصل الوضع
وهذا القول مذهب أبي حنيفة رحمه الله
المذهب الثالث أنه لا تقدم العرفية على اللغوية ولا اللغوية على العرفية بل يحكم باستوائهما ومعادلة الاحتمالين فيهما فيحكم على اللفظ بأنه مجمل لاحتمال هذه واحتمال تلك
وهذا اختيار ابن السبكي ومن وافقه وإلى هذين المذهبين الأخيرين أشار في مراقي السعودي بقوله وهذا اختيار ابن السبكي ومن وافقه وإلى هذين المذهبين الأخيرين أشار في مراقي السعودي بقوله
ومذهب النعمان عكس ما مضى
والقول بالإجمال فيه مرتضى
وإذا علمت هذا فاعلم أنه على المذهب الأول الذي هو تقديم الحقيقة اللغوية على العرفية فإن قوله تعالى) إني متوفيك (لا يدل إلا على أنه قبضه إليه بروحه وجسمه ولا يدل على الموت أصلا كما أن توفي الغريم لدينه لا يدل على موت دينه
وأما على المذهب الثاني وهو تقديم الحقيقة العرفية على اللغوية فإن لفظ التوفي حينئذ يدل في الجملة على الموت
ولكن سترى إن شاء الله أنه وإن دل على ذلك في الجملة لا يدل على أن عيسى قد توفي فعلا
وقد ذكرنا في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب في سورة آل عمران وجه عدم دلالة الآية على موت عيسى فعلا أعني قوله تعالى) إني متوفيك (فقلنا ما نصه
والجواب عن هذا من ثلاثة أوجه
الأول أن قوله تعالى) متوفيك (لا يدل على تعيين الوقت ولا يدل على كونه قد مضى
وأما عطفه ورافعك إلى على قوله متوفيك فلا دليل فيه لإطباق جمهور أهل اللسان العربي على أن الواو لا تقتضي الترتيب ولا الجمع وإنما تقتضي مطلق التشريك
وقد ادعى السيرافي والسهيلي إجماع النحاة على ذلك وعزاه الأكثر للمحققين وهو الحق خلافا لما قاله قطرب والفراء وثعلب وأبو عمرو الزاهد وهشام والشافعي من أنها تفيد الترتيب لكثرة استعمالها فيه
وقد أنكر السيرافي ثبوت هذا القول عن الفراء وقال لم أجده في كتابه
وقال ولي الدين أنكر أصحابنا نسبة هذا القول إلى الشافعي
حكاه عنه صاحب الضياء اللامع
وقوله ? (أبدأ بما بدأ الله به) يعني الصفا لا دليل فيه على اقتضائها الترتيب
وبيان ذلك هو ما قاله الفهري كما ذكره عنه صاحب الضياء اللامع
وهو أنها كما أنها لا تقتضي الترتيب ولا المعية فكذلك لا تقتضي المنع منهما
¥