تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثانيا: أن الإمام ابن ماجه من علماء الأمة الذين لهم مكانة ومنزلة فيها، ولو كان لا يرى الاحتجاج بالقياس، أو يفهم ذلك من كلامه لاشتهرت النسبة إليه بذلك.

ثالثا: سنن ابن ماجه موضع عناية الأمة، من خلال روايته وشرحه والتعليق عليه، والاعتراض على مواطن منه، ونحو ذلك، فلو كان القول بعدم صحة استنباط الأحكام الشرعية بواسطة القياس يفهم من كلام ابن ماجه، لكان موضع عناية من هؤلاء العلماء الذين اهتموا بسننه.

* * * * *

الفصل الثاني: آراء الإمام ابن ماجه في دلالات الألفاظ:

وفيه ست مباحث:

المبحث الأول: تخصيص العام بعلة الحكم المستنبطة.

المبحث الثاني: مفاد صيغة الأمر.

المبحث الثالث: مفاد صيغة النهي.

المبحث الرابع: دلالة صيغة لا تفعل على النهي.

المبحث الخامس: استفادة النهي من ترتيب العقوبة على الفعل.

المبحث السادس: استفادة النهي في الفعل بوصف ظرف بنقيضه.

المبحث الأول: تخصيص العام بعلة الحكم المستنبطة:

قرر الإمام ابن ماجه كراهة البول في مكان الاغتسال فقال: (باب كراهة البول في المغتسل) [سنن ابن ماجه ص111 كتاب الطهارة باب رقم 12]، واستدل على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يبولن أحدكم في مستحمه فإن عامة الوسواس منه)).

ثم نقل عن الطنافسي قوله: "إنما هذا في الحضيره؛ فأما اليوم فلا، فمغتسلاتهم الجص والصاروج والقير، فإذا بال فأرسل عليه الماء فلا بأس " [سنن ابن ماجه ص 111].

فكأنه فهم من الحديث أن النهي عن البول في المغتسل للابتعاد عن النجاسة عند الاغتسال، ولما كان الاغتسال في التراب سابقا نهي عن البول في مكان الاغتسال لئلا يكون ذلك سببا في النجاسة، لكن إذا كان المغتسل مبنيا بحيث إذا أرسل عليه الماء غسل البول فلا مانع من البول فيه، وهذا تخصيص لعموم الحديث بالنهي عن البول في المستحم من خلال قصر الحكم العام على مكان علته المستنبطة.

وتخصيص الحكم بعلته المنصوصة لا إشكال في صحته وجوازه، ولكن الكلام في مسألة: هل يصح أن تعود العلة المستنبطة على أصلها بالتخصيص؟ للعلماء في ذلك قولان:

الأول: جواز تخصيص النص بعلته المستنبطة، واستدلوا عليه بأنه كتخصيص العلة بحكم آخر وهو جائز فكذا هنا [نهاية الوصول 8\ 3553].

الثاني: عدم جواز ذلك، وبالتالي فإن من شروط صلاحية الوصف للتعليل أن لا يعود على أصله بالتخصيص؛ لأنه تعارض عموم النص مع العلة المستنبطة، والعموم منسوب للشارع، والعلة المستنبطة منسوبة للمجتهد، فقدم العموم المنسوب للشارع [البحر المحيط 5/ 152].

والذي يظهر لي ترجح القول الثاني لوجاهة تعليلهم، وأما قياسه على تخصيص حكم آخر بالعلة فهذا قياس لا يصح لوجود الفرق بينهما من وجهين:

أولهما: أن التخصيص بالعلة لحكم آخر إنما ثبت بعد التسليم بصلاحية هذا الوصف للتعليل، وفي مسألتنا وقع النزاع في صلاحية الوصف للتعليل.

ثانيهما: أن العلة في الأصل المقيس عليه إنما خصصت حكما آخر غير الدليل الذي استنبط منه كون الوصف علة، وفي مسألتنا خصص نفس الدليل المستنبط منه التعليل. كما قد يجاب بمنع حكم الأصل.

المبحث الثاني: مفاد صيغة الأمر:

من صيغ الأمر: الفعل المضارع المسبوق بلام الأمر [البحر المحيط 2/ 356، تفسير النصوص 2/ 234، الأمر والنهي لرمضان ص 12.]، كما هو معروف عند الأصوليين. والإمام ابن ماجه أورد فعلا مضارعا مسبوقا بلام الأمر وجعله على الاستحباب فما منهجه في ذلك؟

قال ابن ماجه: (باب من يستحب أن يلي الإمام) [سنن ابن ماجه ص 312، كتاب إقامة الصلاة باب رقم 45.] فذكر الحكم بالاستحباب، واستدل عليه بحديث: ((ليلني منكم أولو الأحلام والنهى) وهذا قد يؤخذ منه حكمان:

أولهما: أن المستحب عنده مأمور به حقيقة، وهذا هو رأي جمهور الأصوليين.

ثانيهما: أن الأمر عنده يفيد الاستحباب عند تجرده، وهذا يخالف رأي الجماهير الذين يرونه مفيدا للوجوب [روضة الناظر 2/ 604، قواطع الأدلة 2/ 476، الإبهاج 2/ 42، أصول السرخسي 1/ 132، ميزان الأصول 96.]، وإن كان استنباط هذا الرأي لابن ماجه فيه ما فيه؛ لأنه يحتمل أن ابن ماجه صرف هذا الأمر بخصوصه عن الوجوب لقرينة، فهو يرى أن الأمر المجرد يفيد الوجوب، لكن هذا الأمر صرف لقرينة خاصة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير