تلك أهم الاستشكالات التي أثارها لمجيد ري في نقده للتوجه الفكري المسيطر علي ثقافة عصره ولا يستبعد تأثره فيها بالفكر الوهابي الذي يحتمل أن يكون أخذه عن مؤسسه مباشرة أو عن طلابه المباشرين له يفسر ذلك اشتغاله بعد عودته بالتأليف لنشر الفكر الذي تأثر به ويبدو أن مؤلفاته عبثت بها يد الزمان أو المعارضين فلم يوجد له إلا كتاب واحد في شكل رسالة وزعه بين التوحيد والفقه الذي خصص له الباب الثاني وجاءت انتقاداته فيه متمركزة علي مسائل التقليد والتعصب للقول الواحد مثال ذلك نقاشه لمدح الاختلاف وتصويب المجتهدين الذي كثيرا ما يجري الحديث عنه بشكل مطول في كتب الأصول والتعصب للمذهب الواحد < وأما تعصبكم في فروع الدين وحملكم الناس علي مذهب واحد فهو الذي لا يقبله الله منكم ولا يحملكم عليه إلا محض التعصب والتحاسد ولو أن الشافعي وأبا حنيفة ومالك وأحمد أحياء يرزقون لشددوا النكير عليكم وتبرءوا منكم فيما تفعلون >
يناقش القول بتحريم الانتقال من مذهب إلي مذهب معتبرا أنه عار من الدليل ولا يمكن اعتماد الطروحات التي يستند إليها < ما وجه تحريم الانتقال من مذهب إلي مذهب بل ما وجه تقليد الأئمة دفعة واحدة فيقلد هذا في مسألة ويقلد هذا في أخري فإن قلتم المصيب منهم واحد وغيره مخطئون فعينوا هذا الذي أتباع غيره ضالون وآتوا بحجة صحيحة علي إصابته وخطأ غيره فإن قلتم كلهم مصيبون فكيف يحرم الانتقال من صواب إلي صواب >
ويمضي لمجيد ري في أسلوبه الحجاجي التهكمي في تتبع القواعد الأصولية التي تأسست عليها دعوة المذهب الواحد لتوهيتها وتقديم بدائلها < اللازم لمريد السلامة أن يمشي وًيمشي غيره علي ما يأمن المشي والإمشاء عليه من الملامة وهو الأخذ بقوله تعالي وقول نبيه صلي الله عليه وسلم والتمثل بلاأدري إذا لم يدري النص فهو أولي بالسلامة لأن العقل لامدخل له في الشريعة في كثره ولا في قله >
وفي هذا تأثر بالفكر الوهابي ذي النزعة الظاهرية التي لا تري للعقل مجالا في فهم النص ولا في تأسيس الأحكام في ما لا نص فيه وهذا ما يتجلى عند نقاشه لدليل الاجتهاد من السنة الذي يفسره علي أن المراد به بذل الوسع في إ صابة الدليل < الاجتهاد المراد في الحديث بذلك الوسع في طلب الدليل وإصابتك مصادفته وخطأك عدمها في كثيرا أو قليل فإذا صادف الدليل فله أجر التعب والمصادفة وإذا لم يصادفه فله أجر التعب فقط >
وفي المجال التطبيقي اجتهد لمجيد ري في بعض الأحكام مستندا علي قاعدتي اليسر ورفع الحرج اللتين يحددهما بقوله < إنه ظهر لي في معني يسر الدين ما لم أر أحدا تعرض له لعمومه في كل دعامة ونافلة بينة بل إنما يبينون ما كان رسول الله صلي الله عليه وسلم في أمر عينه وذلك تبينه عن غيره ليس كاف >
وانطلاقا من هذا اعتبر أن القول بوجوب النية في الوضوء مناف لمبدإ اليسر الذي تأسس عليه الدين الحنيف < إن النية في الوضوء لا تجب فينوي عند الشروع في الفرض الأول رفع الحدث أو الفرضية أو استباحة الممنوع والله تعالي لم يذكر فيه ولا في الغسل ولا في التيمم وجوب النية والنسيان عليه تعالي مستحيل ونبيه صلي الله عليه وسلم لم يذكرها وهو مأمور بالتبليغ >)
وقد استند في هذا إلي أبي حنيفة الذي يحيل إليه بقوله < قال بعدم وجوبها في الوضوء قبلي أبو حنيفة ولو كان لها أصل في الحديث لذكره ابن حجر >
ومن اجتهاداته الفقهية المخالفة لما عليه العمل في المذهب المالكي قوله بوجوب إطالة الغرة والمضمضة والاستنشاق وعدم تحديد جبهة المصلي بعدد معين من الأصابع.
تلك آراء لمجيد ري في التمذهب وتطبيقاته الفقهية التي اعتبر معاصروه أنه أفسد بها الفقه والعقيدة وأنها أقرب إلي البدعة والتزندق منها إلي الفكر الصحيح علي غرار قول ابن بونه عنه في قصيدة يناقش فيها أقواله:
وقلت: كما ضلت قريش ضللتم ألا فاسمعوا هذا الفتي المتقدما
قريش قفت أهل الضلال ونحن في هدى سلف منهاجه قد تقوما
[الطويل]
يرد لمجيدري علي اتهامه بالبدعة بقوله:
لو كنت بدعيا لما كان صواب عندي الأحاديث الصحاح والكتاب
[الكامل]
¥