وجامع الأيمان ما قال خليل فيه من التضييق خال من دليل
بل ليس فيه غير الاستغفار عند جماعة من الأخيار
تركزت دعوة محمد يحي بن سليمة (ت 1354ه) الشخصية الثالثة في هذا التوجه علي اعتماد منهج التيسير في الفتوى وعدم التحيز لرأي اجتهادي عن آخر فكلما نصره الدليل وعضدته مصلحة أو عرف جاز الأخذ به وقد ركز جهده علي جمع الآراء الاجتهادية في المسائل التي يكثر السؤال عنها وتختلف أنظار المفتين فيها مع التنبيه علي مستنداتها وأدلتها النصية وكذلك اهتم باختصار أمهات التفسير والحديث ليسهل النظر فيها والرجوع إليها من طرف المفتي والمستفتي فاختصر تفسير ابن جري في كتاب سماه التيسير والتسهيل لمعرفة أحكام التنزيل وهو جزء صغير الحجم لا يتعدى المائتي صفحة لخص فيه أقوال العلماء في الآيات المتعلقة بالأحكام أساسا وحرص فيه علي تقديم آرائه في المسائل المطروحة خاصة تلك المتعلقة منها بالاجتهاد والفتوى بغير المشهور كلما وجد آية تتفق مع منظومته الفكرية ولو عن طريق التأويل والتفسير، ولتعلقه بالاجتهاد كان يرى لنفسه مكانة توازي مكانة الأئمة الأربعة ولذا يقول في نظم له بهذا الشأن:
ولست دون مالك والشافعي وأحمد والحنفي التابعي
[الرجز]
ولم يقتصر تعلقه ببلوغ مرتبة المؤسسين في المجال التشريعي فحسب بل تاقت نفسه للحاق بأصحاب الطرق المؤسسين مثل أحمد التيجاني شيخ الطريقة التيجانية الذي يضعه مع مالك في الرتبة بالإضافة إلي نفسه
ولست دون مالك ولا التيجانى إن شاء ربي عظيم الشانى
[الرجز]
إذا كان في هذه المنزلة فإن الاجتهاد عليه من الأمور السهلة التي لا تكلفه التوسل بآراء الرجال التي لا تعدو أن تكون تخمينا لفهم ما ينجلي من آراء الرجال قد تبتعد في بعض الأحيان عن الدليل ولهذا يقول عن الفقه:
والفقه لا يجوز الإقتداء به بل هو تخمين يرد فانتبه
[الرجز]
وقد دخل بسبب هذا الموقف المشكك في الفقه مناظرات مع معاصريه الذين رأوا في هذه الآراء تجاسرا علي العلماء وتجرؤا علي الاجتهاد قبل استكمال الأهلية فوجه له محمد يحي ابن محمد المختار رسالة ضمنها بعض الأسئلة امتحانا له إن أجاب عليها اعترف له بالمنزلة التي يدعي سماها الأسئلة الفاضحة لمن يدعي الاجتهاد ناصحة، فلما وصلت الرسالة لابن سليمة لم يرد عليها معتبرا أن الأسئلة الواردة فيها أقرب للتعنت منها إلي الاستفسارات العلمية والشرع نهي عن الجدل والمراء.
وهكذا ظل الاجتهاد مطلبا ومنهجا لعلماء القرن 13 رغم الانتقادات التي يتعرضون لها من فريق تؤيده أسبقيته في الساحة ورسوخه في مقرراتها الدراسية.
المدرسة التوفيقية:
سلك أصحاب هذا الفريق منحي توفيقيا يستفيد من المنهجين لتوقف فهم كل منهما علي الآخر فلا الأصول يمكن أن تبقي قواعد نظرية تجريدية لا يشتغل بها إلا المترفون ذهنيا بعيدة عن الواقع ومستجداته ولا الفروع يمكن أن تنفصل عن القواعد الأصولية لأنها ثمرة حركة الفكر فيها قبل أن تتسع الهوة بينهما وينفصل كل منهما عن الآخر بعد التضخم التأليفي الذي عرفه علم الفروع، وما نشأ عن ذلك من حيرة للفكر الإسلامي أسرت أعلامه في توجهين مختلفي الطرح رغم اتفاقهما في الأصل والهدف الذي ينبغي أن يكون تطبيق الخطاب التكليفي علي الفعل البشري في مختلف حقبه الزمنية ذلك هو سبب كثرة تفريعات العلماء التي هي في الأصل تخريجات وتطبيقات لمعان النص علي الواقع البشري المتجدد وكذلك قواعد الأصول ما هي إلا وسائل وآلات لخدمة تطبيق تلك المعاني.
فالانفصال المفتعل بين الأصول والفروع هو سبب الأزمة التشريعية التي تعيشها الثقافة الإسلامية القرن 13.
والتي يصورها الشيخ محمد المامي الذي تبني هذا المنهج فكرا وتطبيقا وإحساسا بعمق المسؤولية بقوله < وبعد فحاشى الذي أنزل في كتابه ومن يقنط من رحمته إلا الضالون ورحم أصحاب الأعراف لما كانوا في رحمته يطمعون من أن يجمع علينا أهل القرن الثالث عشر حرجين يخلي عصرنا من المجتهدين ويمنع الكلام في نوازلنا علي أمثل المقلدين >
¥