الجواب السادس: أنه كيف ينفق بضعة عشر صحابيا على رواية أحاديث كلها متفقة بلفظ واحد وهو " أفطر الحاجم والمحجوم " ويكون النبي قد ذكر الحجامة فيها ولا تأثير لها في الفطر.
الجواب السابع: أنه كيف يجوز للصحابة أن يفتوا بذلك ويقولوا أفطر الحاجم والمحجوم والحكم معلق بالغيبة؟
الجواب الثامن: أن صاحب القصة التي جرت له قال مر على النبي وأنا أحتجم فقال: " أفطر الحاجم والمحجوم " فلو كان فطره بغير ذلك لبينه له الشارع لحاجته إليه ولم يخف على الصحابي ذلك ولم يكن لذكره الحجامة معنى، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز فكيف يترك الشارع بيان الوصف المفطر فلا يبينه للمكلف ويذكر له وصفا لا يفطر بحال وهو الغيبة.
الجواب التاسع: أن هذا يبطل عامة أحكام الشرع التي رتبها على الأوصاف إذا تطرق إليها هذا الخيال والوهم الفاسد كقوله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما) وقوله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) وقوله تعالى: (واللاتي يأتين الفاحشة) ومعلوم أنه ليس بأيدينا إلا أوصاف رتبت عليها الأحكام.
الجواب العاشر: أن هذا قدح في أفهام الصحابة الذين هم أعرف الناس وأفهم الناس بمراد نبيهم وبمقصود من كلامه وقد قال أبو موسى الأشعري _ لرجل قال له: ألا تحتجم نهارا _: " أتأمرني أن أهريق دمي وأنا صائم وقد سمعت رسول الله يقول: " أفطر الحاجم والمحجوم " والذين فطروا بذلك من الصحابة كعلي وأبي موسى وغيرهم إنما يحتجون بالحديث وكان جماعة من الصحابة لا يحتجمون في الصيام إلا ليلا منهم عبد الله بن عمرو وابن عباس وأبو موسى وأنس ويحتجون بالحديث.
الجواب عن التأويل الثاني وهو قولهم: (أن المعنى أنه قد تعرض لأن يفطر لما يلحقه من الضعف) فيجاب عنه بما يلي:
الجواب الأول: أنه يتضمن الإيهام بخلاف المراد وهو فاسد.
الجواب الثاني: أن الصحابة فهموا خلاف ذلك كما دلت على ذلك الآثار.
الجواب الثالث: أنه ذكر الحاجم مع المحجوم فلو تعرض المحجوم للفطر بالضعف فأي ضعف لحق الحاجم.
فإن قيل: كون الحاجم متعرض لابتلاع الدم والمحجوم متعرض للضعف.
أجيب: هذا التعليل لا يبطل الفطر بالحجامة بل هو مقرر للفطر بها وإلا فلا يجوز استنباط وصف من النص يعود عليه بالإبطال بل هذا الوصف إن كان له تأثير في الفطر وإلا فالتعليل به باطل.
الجواب عن التأويل الثالث وهو قولهم: (أنهما قد أفطرا حقيقة وذلك لمرور النبي بهما كان مساء في وقت الفطر فأخبر أنهما قد افطرا ودخلا في وقت الفطر) فيجاب عنه بما يلي:
الجواب الأول: لو كان المراد ما ذكرتم فما الفائدة من ذكر الحجامة إذا لم يكن لها تأثير، فالكل حينئذ يفطر.
الجواب الثاني: أن هذا خلاف ما فهمه الصحابة في فتاويهم في المسألة.
الجواب الثالث: أنه ليس في الحديث ما يدل على هذا التأويل.
الجواب عن التأويل الرابع وهو قولهم: (أن هذا تغليظ ودعاء عليهما لا أنه خبر عن حكم شرعي بفطرهما) ويجاب عنه بما يلي:
الجواب الأول: أن هذا يرجع عليكم إذ يقال: أنتم لا ترون الحجامة محرمة للصائم ولا تفطره فكيف إذاً يستحق الدعاء عليه ولم يعهد في الشرع الدعاء على المكلفين بالفطر وفساد العبادة إذا فعلوا مباحاً.
الجواب الثاني: أن هذا خلاف ما فهمه الصحابة في فتاويهم في المسألة.
الجواب الثالث: أنه ليس في الحديث ما يدل على هذا التأويل فهو خلاف الظاهر.
الجواب عن التأويل الخامس وهو قولهم: (إفطارهما بمعنى إبطال ثواب صومهما كما جاء: " خمس يفطرون الصائم الكذب والغيبة والنميمة والنظرة السوء واليمين الكاذبة ")
ويجاب عنه بما يلي:
الجواب الأول: أنكم لا تبطلون أجرهما بذلك ولا تحرمون الحجامة.
الجواب الثاني: أنه لو كان المراد إبطال الأجر لكان ذلك مقرراً لفساد الصوم لا لصحته فإنه قد أخبر عن أمر يتضمن بطلان أجرهما لزوماً واستنباطاً فالأجر من ثمرات الصحة، وبطلان صومهما صريحاً ونصاً بقوله: (أفطر): أي بطل الصوم فكيف يعطل ما دل عليه صريحه ويعتبر ما استنبطه منه مع أنه لا منافاة بينه وبين الصريح بل المعنيان حق قد بطل صومهما وأجرهما إذا كانت الحجامة لغير مرض.
الجواب الثالث: الحديث المذكور لا يصح:
¥