ـ[سلمان بن عبدالقادر أبو زيد]ــــــــ[19 - 03 - 07, 01:22 م]ـ
الفصل الثاني: حكم المصلحة عند الحنابلة
المبحث الأول: حكم المصلحة المعتبرة:
قال ابن قدامة: (ما شهد الشارع باعتباره فهذا هو القياس وهو اقتباس الحكم من معقول النص أو الإجماع). ا هـ[روضة الناظر، 169].
وهذا فيه نظر؛ لأن المصالح المعتبرة: المصالح التي تتعلق بأحكام منصوص عليها كحل البيع.
قال الدكتور عبد العزيز الربيعة: (ما شهد الشارع باعتباره فهو حجة لا إشكال في صحته إذ المصلحة في هذا يرجع حاصلها كما يقول الغزالي إلى القياس. . . والدليل قائم باعتباره، فإنه نظر في كيفية استنباط الأحكام من الأصول المثمرة، ومثال ذلك: حفظ العقل فإنه مصلحة اعتبرها الشارع، فرتب عليها تحريم الخمر حفظا له، فيقاس على الخمر في التحريم كل ما أسكر من مشروب أو مأكول حفظا لهذه المصلحة.
وكذلك حفظ النفس فإنه مصلحة اعتبرها الشارع فرتب عليها وجوب القصاص في القتل بالمحدد، وجعل لانضباط ذلك أوصافا وهو أن القتل عمدا عدوانا، فيقاس على القتل بالمحدد في وجوب القصاص القتل بالمثقل بجامع القتل العمد العدوان حفظا لمصلحة حفظ النفس). ا هـ[أدلة التشريع المختلف في الاحتجاج بها، 191 - 192.]
ومما لا جدال فيه أن المصلحة التي اعتبرها الشارع متفق على اعتبارها.
المبحث الثاني: المصلحة الملغاة:
ا - آراء الحنابلة فيها:
جميع العلماء على أن ما يتوهم أنه مصلحة إذا كان يخالف الأدلة الشرعية فإن المصلحة لاغية لا عبرة بها، وقد وقع الإجماع على ذلك عدة قرون، فتتابعت العصور على عدم اعتبار ما يظن كونه مصلحة إذا كان يخالف دليلا من الأدلة الشرعية.
وخرق الطوفي هذا الإجماع، فقال بتقديم المصلحة على النصوص من باب التخصيص والبيان، وساق أدلة على مذهبه نسوقها:
أدلة الطوفي:
الدليل الأول: حديث: ((لا ضرر ولا ضرار))
فالضرر والمفاسد منتفية شرعا.
ولو كان ذلك الضرر في اتباع النصوص فإن الضرر يزال شرعا، مما يدل على تقديم المصالح على النص، فنفي الضرر والضرار يستلزم رعاية المصلحة، فيجب تقديمها إذن على جميع الأدلة عملا بهذا الحديث.
وأجيب:
أ - بأن الحديث فيه ضعف وأحسن درجاته أن يكون حسنا لغيره، فيكون من أقل درجات الحديث المقبول، فكيف يقدم على جميع الأدلة الشرعية.
ب - أن هذا الحديث خبر آحاد، وغيره من الأدلة متواتر نقلا ومعنى، ولا يقول عاقل بتقديم خبر آحاد على المتواتر.
ج - أن الحديث نفي للضرر والضرار، والضرر هو كل ما عده الشارع كذلك، فالأحكام الشرعية لا ضرر فيها، فلا تعارض بينها وبين الحديث، فكل له مجال يخالف الآخر، إذ الحديث نهي للعباد بطريق النفي عن الإضرار بالغير، كما قال تعالى: ? لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا ? [سورة البقرة الآية 233].
د - أن الحديث عام، والأدلة الشرعية الأخرى في مجالها خاصة، وإذا تقابل العام والخاص قدم الخاص فيما يختص به.
هـ - أن هذا الاستدلال مبني على أن المصالح يتصور أن تعارض النصوص وهو خطأ ظاهر.
الدليل الثاني: أن الشرع اهتم بالمصلحة جملة وتفصيلا وبنى عليها الأحكام، فإن أحكام الله معللة بمصلحة العباد، فيجب علينا أن نسير على هذا المنهج فنحكم بالمصالح ولو خالفت النصوص.
وأجيب:
بأن هذا الدليل مبني على تضمن أحكام الشرع للمصالح، وأصل المسألة حكم النصوص التي تعارض المصالح، فالدليل يخالف الدعوى ويبطلها.
الدليل الثالث: قال: من المحال أن يراعي الله - عز وجل - مصلحة خلقه في مبدئهم ومعادهم ومعاشهم ثم يهمل مصلحتهم في الأحكام الشرعية فهي أولى، كيف وهي من مصلحة معاشهم.
وأجيب:
أ - أن هذا الاستدلال اعتراض على الله في فعله، والله عز وجل لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
ب - أن مقتضى هذا الدليل تضمن الأحكام الشرعية للمصالح، فإذا كانت الأحكام الشرعية متضمنة للمصالح فكيف يوجد التعارض بينهما.
الدليل الرابع: أن رعاية الشارع للمصلحة محل وفاق، والإجماع محل خلاف، والتمسك بما اتفق عليه أولى من التمسك بما اختلف فيه.
وأجيب:
أ - أن هذا الاستدلال مبني على الإجماع على المصلحة، وهو يتضمن في نفسه تضعيف دليل الإجماع. وهذا تناقض.
¥