أ - أن هناك وسائل أخرى سلكتها الشريعة لتنظيم أحوال البشر باختلاف الأزمنة والأمكنة والبيئات، مثل القواعد العامة ووسائل تطبيقها، فيأتي المجتهد فيجتهد في تطبيقها على الوقائع الحادثة.
ب - أن هذا الاستدلال معارض بما هو مثله فيقال: أن بناء الأحكام على المصالح المرسلة، يفتح بابا للطعن في الشريعة بكونها من وضع البشر، وفيها نسبة للشريعة بالنقص.
الدليل السادس: أن الصحابة - رضي الله عنهم - ومنهم الخلفاء الراشدون عملوا بالاستصلاح فيما طرأ لهم من حوادث لم يكن فيها حكم من قبل، وليس لها نظير فتقاس عليه، فحكموا فيها بأحكام مبنية على مصالح لم يقم دليل معين على اعتبارها فدل ذلك على أن الاستصلاح حجة.
ومن تلك القضايا:
أ - جمع أبي بكر - رضي الله عنه - القرآن، لكن هذا المثال فيه نظر فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر بكتابة القران وبحفظه، والجمع في مصحف واحد من باب الكتابة والحفظ، فهذا نوع من الحفظ فله أصل معين فلا يصح الاستدلال به هنا.
ب - أن عمر جلد شارب الخمر ثمانين.، وهذا إما أنه من باب التعزير والسياسة الشرعية لما رأى الناس عتوا وفسقوا [كما ورد مصرحا به في رواية الشيخين]، أو قياسا على حد القذف، كما ورد عن عبد الرحمن بن عوف إذا شرب هذى وإذا هذى افترى فأرى أن جلده حد الفرية.
ج - وقف عمر لتنفيذ حد السرقة عام الجماعة [رواه عبد الرزاق في المصنف 10/ 242، وابن أبي شيبة في المصنف 10/ 27]، وهذا قياس على المضطر فله أصله في الشريعة، والحدود تدرأ بالشبهات.
د - ما ورد عن علي - رضي الله عنه - من تضمين الصناع، لكن هذا من باب السياسة الشرعية.
هـ - قتل الجماعة بالواحد [أخرجه البخاري، (12/ 226) كتاب الديات: باب إذا أصاب قوم من رجل. . . من فعل عمر]، لكن هذا يدخل ضمن النصوص العامة، كحديث: ((من قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يؤدى وإما أن يقاد)). وهذا عام في القاتل الواحد والجماعة، أو من باب قياس الجماعة على الواحد.
الدليل السابع: أنه يلزم من عدم اعتبار المصلحة المرسلة
خلو كثير من الحوادث عن الأحكام ضرورة كون النصوص متناهية والحوادث غير متناهية، وعموم الشريعة وخلودها وعدم تفريطها في شيء يأبى ذلك. [أدلة التشريع المختلف في الاحتجاج بها ص 348].
وأجيب:
بأن هذا الاستدلال يعارض قوله تعالى: ? الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ? [سورة المائدة الآية 3] وقوله: ? مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ? [سورة الأنعام الآية 38]. وإن من إعجاز النصوص كونها شملت جميع الأحكام لجميع الوقائع، إما مباشرة أو دلالة واستنباطا، فالحوادث لا يمكن خلوها من الأحكام الشرعية مطلقا.
ثم ذلك لا يستلزم العمل بالمصالح المرسلة لأنه قد يصار إلى البراءة الأصلية فلا حاجة إلى المصالح المرسلة.
6 - أدلة المانعين:
الدليل الأول: قوله تعالى: ? فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ? [سورة النساء الآية 59]، وقال: ? وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ? [سورة الشورى الآية 10].
وجه الاستشهاد:
أ - أن بناء الأحكام على المصالح المرسلة ليس مشروعا لأن الاستصلاح ليس كتابا ولا سنة، والآيات حصرت ما يرجع إليه في الكتاب والسنة عند الاختلاف وما كان زائدا عنهما فليس بحجة، وبهذا يتبين أن الاستصلاح ليس بحجة.
ب - أنه في هاتين الآيتين أمرنا برد المتنازع فيه والمختلف عليه إلى الكتاب والسنة. وبرد الاستصلاح إلى الكتاب والسنة لا نجده فيهما.
وأجيب:
بأن الاستصلاح يرجع إلى حفظ مقصود الشارع، فإنها وإن كانت مرسلة عن دليل معين من الشرع على اعتبارها، إلا أنها معتبرة جملة، وبهذا يكون إسناد الأحكام إلى المصالح المرسلة طريقا من طرق الرد المشروعة. [أدلة التشريع المختلف في الاحتجاج بها، ص 345]
¥