تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأول:- أن فيها دلالة على أن ما عند الساحر من العلم إنما أصله وأساسه من تعليم الشياطين وقد عرفت عداوتها لبني آدم، قال تعالى} إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ {وقال تعالى} وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ {فلا مودة ولا رحمة ولا صلح يرجى من الشيطان، لأنه لا يريد إلا هلاك بني آدم، ومن هذه حاله فكيف سيكون تعليمه إن باشر هو تعليم بني آدم؟ لا جرم أنه سيستفرغ طاقته، ويأتي بنهاية جهده فيما هو مضر ومفسد ومهلك لبني آدم، فلا يرجى من تعليم الشيطان نفع ولا خير ولا شفاء، فالساحر إنما تلقف علم السحر من الشيطان، فبالله عليك هل يجوز لنا أن نقول للمريض من بني آدم:- اذهب إلى هذا الساحر لعلك تجد عنده ما فيه سبب لشفائك؟ أين النفع الذي سيجده المريض من تعليم الشيطان؟ بل والله لا يوجد عند هذه الطائفة الكاسدة والثلة الفاسدة إلا الكفر والبعد عن عافية الدين والدنيا، ولا يوجد عندهم إلا الأمراض الروحية، وقتل الإيمان فالذهاب لهم ضرر محض، ومفسدة ظاهرة , لا يجيزها إلا من غفل عن استحضارها وقت الإفتاء فالله المستعان,

الثاني:- أن هذه الآية فيها إثبات أن الساحر كافر، لقوله تعالى} وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ {وفي آخر الآية قال} وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ {فهذه من الأدلة على كفره، وهو إنما كفر بسبب تعلمه للسحر، فالسحر هو الآفة التي أوجبت كفره، فكيف نجيز للمريض أن يذهب إلى هذا الساحر ليستفيد من شيء هو أصلا سبب الكفر والضلال واللعنة والغضب؟ فإن هذا الساحر إنما سيعالج هذا المريض بما عرفه وتعلمه من السحر، وهذا التعلم هو سبب الكفر، وهو سبب الضلال، فما كان سببا للكفر والضلال ونفي الفلاح والنصيب في الآخرة فهل يرجى من ورائه شفاء أو خير أو فلاح؟

الثالث:- أن الله تعالى قد أثبت أن هذا التعلم والتعليم الحاصل بين الساحر وشياطينه ضار وغير نافع، وذلك في قوله تعالى} وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ {وقد خرج إثبات الضرر ونفي النفع مخرج الإطلاق، والمتقرر أن المطلق يجب بقاؤه على إطلاقه ولا يقيد إلا بدليل، فالضرر هنا يراد به ضرر الدين والدنيا والآخرة، ونفي النفع هنا يراد به نفي النفع في الدين والدنيا والآخرة، وما ورد عن السلف من الخلاف في تفسير ذلك فإنما هو من خلاف التنوع لا التضاد، والمتقرر أن اللفظ إذا احتمل معنيين أو أكثر لا تنافي بينهما حمل عليهما، والعافية من النفع، فالله تعالى أثبت أنهم إنما تعلموا ما فيه ضررهم، فما يوجد عندهم علم السحر هو في الحقيقة ضرر محض، بقول ربنا جل وعلا، وما كان ضررا محضا فكيف ترجى منه العافية والشفاء؟ كيف يرجى الشفاء من علم قول الله فيه:- إنه ضرر ولا نفع فيه، أفي خبر الله تعالى شك؟ كلا والذي نفسي بيده، ولذلك فلا والله ما نعلم عند هذه الطائفة المعتوهة إلا كل الضرر، بل تأمل في قول الله تعالى} مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ {أن الله تعالى لم يكتف بإثبات الضرر فقط، حتى قرن معه نفي النفع، مع أنه لو قال} مَا يَضُرُّهُمْ {لكفى في الزجر عن تعلمه أو إتيان من تعلمه، ولكنه لم يكتف بذلك، بل أراد الله جل وعلا أن يقطع دابر النفع عن هذه الطائفة، وأن يثبت كامل الضرر منها، فقرن إثبات الضرر بنفي النفع، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وذلك دليل ظاهر على أن من أتاهم طلبا للنفع فإننا نقول له (ولا ينفعهم) ومن جاءهم لرفع الضرر فنقول له (ما يضرهم) فلا ضرر يرفع عند هؤلاء، بل هم الضرر بعينه، ولا نفع يرجى من ورائهم، بل هم شقاء وفساد البلاد والعباد، ألا لعنهم الله وأبعدهم وأقصاهم، ونسأل الله تعالى أن يهلكهم وأن يكفي الأمة شرهم,

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير