تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومما قالوه أيضا:- أن بعض العلماء قد أجاز الذهاب إلى السحرة لحل السحر، وأقول:- إن المتقرر أن كلام العالم لابد وأن يوزن بموافقته للكتاب والسنة، أي إن كلام العالم لا يكون كلاما مقبولا إلا إن كان موافقا لدليل الوحي، وأما إن كان معارضا للدليل ومخالفا له فإنه لا قبول له فالحق يعرف بموافقة الدليل لا بموافقة قول العالم الفلاني، والمتقرر أن كلاً يؤخذ من قوله ويترك إلا قول الشارع، والمتقرر أن كلام أهل العلم إنما يستدل له، ولا يستدل به، فضلا عن وقوع الخلط في فهم كلام العالم أصلا، أو التقول على العالم ما لم يقله، والمقصود أن إفتاء بعض أهل العلم بجواز حل السحر بالسحر ليس بحجة على الشرع، بل الشرع هو الحجة على كل أحد، وهذه من أضعف الحجج لأنها معارضة بمثلها، لأننا سنقول:- وهناك كم هائل من العلماء حرموا حل السحر بالسحر، لكن تبقى لنا الأدلة الدالة على حرمة هذه المسألة سليمة من أي اعتراض.

ومما قالوه:- إن حل السحر بالسحر فيه مصلحة للمسحور، فنقول:- بئس الكلام هذا، فإن هذه المصلحة تعارضها مفاسد كثيرة، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ولأن هذا رأي في مقابلة النص، والمتقرر أنه لا رأي ولا اجتهاد مع النص، ولأنه اعتبار لما ألغاه الشرع، والمتقرر أن اعتبار ما ألغاه باطل، كإلغاء ما اعتبره تماما، ولأنه قياس في مقابلة النص، والمتقرر أن القياس في مقابلة النص باطل. وهذا خلاصة ما قالوه في هذه المسألة، وأنت ترى أنه ليس فيه كبير شيء, فلا أدري في الحقيقة كيف قيل هذا في الأمة، ولكنه قيل، وعلى كل حال، فالقول الصحيح، بل الحق الذي لا مرية فيه هو حرمة حل السحر بالسحر كما بينته لك بالأدلة، والله يتولانا وإياك.

(فصل)

قال أبو العباس رحمه الله تعالى (وَأَمَّا مُعَالَجَةُ الْمَصْرُوعِ بِالرُّقَى وَالتَّعَوُّذَاتِ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: فَإِنْ كَانَتْ الرُّقَى وَالتَّعَاوِيذُ مِمَّا يُعْرَفُ مَعْنَاهَا وَمِمَّا يَجُوزُ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا الرَّجُلُ دَاعِيًا اللَّهَ ذَاكِرًا لَهُ وَمُخَاطِبًا لِخَلْقِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرْقَى بِهَا الْمَصْرُوعُ وَيُعَوَّذَ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَنَّهُ أَذِنَ فِي الرُّقَى مَا لَمْ تَكُنْ شِرْكًا} وَقَالَ {مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ} وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ كَلِمَاتٌ مُحَرَّمَةٌ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا شِرْكٌ أَوْ كَانَتْ مَجْهُولَةَ الْمَعْنَى يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا كُفْرٌ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَرْقِيَ بِهَا وَلَا يُعَزِّمَ وَلَا يُقْسِمَ وَإِنْ كَانَ الْجِنِّيُّ قَدْ يَنْصَرِفُ عَنْ الْمَصْرُوعِ بِهَا فَإِنَّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ضَرَرُهُ أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهِ كَالسِّيمَا وَغَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِ السِّحْرِ فَإِنَّ السَّاحِرَ السيماوي وَإِنْ كَانَ يَنَالُ بِذَلِكَ بَعْضَ أَغْرَاضِهِ كَمَا يَنَالُ السَّارِقُ بِالسَّرِقَةِ بَعْضَ أَغْرَاضِهِ وَكَمَا يَنَالُ الْكَاذِبُ بِكَذِبِهِ وَبِالْخِيَانَةِ بَعْضَ أَغْرَاضِهِ وَكَمَا يَنَالُ الْمُشْرِكُ بِشِرْكِهِ وَكُفْرِهِ بَعْضَ أَغْرَاضِهِ وَهَؤُلَاءِ وَإِنْ نَالُوا بَعْضَ أَغْرَاضِهِمْ بِهَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ فَإِنَّهَا تَعْقُبُهُمْ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَعْظَمُ مِمَّا حَصَّلُوهُ مِنْ أَغْرَاضِهِمْ , فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ الرُّسُلَ بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا فَكُلُّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ فَمَصْلَحَتُهُ رَاجِحَةٌ عَلَى مَفْسَدَتِهِ وَمَنْفَعَتُهُ رَاجِحَةٌ عَلَى الْمَضَرَّةِ , وَإِنْ كَرِهَتْهُ النُّفُوسُ , كَمَا قَالَ تَعَالَى} كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ {الْآيَةَ. فَأَمَرَ بِالْجِهَادِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِلنُّفُوسِ لَكِنَّ مَصْلَحَتَهُ وَمَنْفَعَتَهُ رَاجِحَةٌ عَلَى مَا يَحْصُلُ لِلنُّفُوسِ مِنْ أَلَمِهِ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير