تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو حاتم يوسف حميتو المالكي]ــــــــ[26 - 09 - 09, 01:22 ص]ـ

أخي الفاضل اللحيان:

دعني أولا أشكر لك حرصك واهتمامك وإثارتك للموضوع.

أخي الكريم:

إن من الجهل المركب أن يزعم المرء أن المقاصد ترف علمي، ولا يقول هذا إلا من فؤاده هواء، وصدره من العلم خواء، وقوله يغني فساده عن إفساده.

إذ كيف يتأنى له أن يثبت الحكم من النص وهو لا يعلم مقصد الشارع من أحكامه، وما الأحكام إلا وسيلة إلى المقاصد؟، ثم كيف له أن يعمل القياس وهو لا يدري ما تعليل الحكم، وما التعليل إلا صورة من صور تحقيق المقاصد، وإلا فما وجه اعتبار تحقيق المناط مسلكا من مسالك إثبات العلل الشرعية؟

وهب جدلا أنا وافقناه في زعمه ـ {وأنى لهم التناوش من مكان بعيد} ـ فهل له أن يعرف كيف يوفق بين الأخذ بظاهر النص والالتفات إلى مدلوله دون إختلال لتجري الأحكام كلها على وزان واحد دون تناقض، ويكفي الغر الجاهل أن يقرأ ما كتبه الشاطبي رحمه الله في جزئية واحدة، حتى يتبدى له الصبح إن كان له عينان، أو {كان له قلب و ألقى السمع وهو شهيد}.

يقول رحمه الله: " هذا القسم يشتمل على مسائل كثيرة جدا، وقد مر منها فيما تقدم تفريعًا على المسائل المقررة كثير، وسيأتي منه مسائل أخر تفريعًا أيضًا، ولكن لا بد من خاتمة تكر على كتاب المقاصد بالبيان، وتعرف بتمام المقصود فيه بحول الله.

فإن للقائل أن يقول: إن ما تقدم من المسائل في هذا الكتاب مبني على المعرفة بمقصود الشارع، فبماذا يعرف ما هو مقصود له مما ليس بمقصود له؟

والجواب أن النظر ههنا ينقسم بحسب التقسيم العقلي ثلاثة أقسام:

أحدها أن يقال: إن مقصد الشارع غائب عنا حتى يأتينا ما يعرفنا به، وليس ذلك إلا بالتصريح الكلامي مجردًا عن تتبع المعاني التي يقتضيها الاستقراء ولا تقتضيها الألفاظ بوضعها اللغوي؛ إما مع القول بأن التكاليف لم يراع فيها مصالح العباد على حال، وإما مع القول بمنع وجوب مراعاة المصالح، وإن وقعت في بعض؛ فوجهها غير معروف لنا على التمام، أو غير معروف البتة، ويبالغ في هذا حتى يمنع القول بالقياس، ويؤكده ما جاء في ذم الرأي والقياس، وحاصل هذا الوجه الحمل على الظاهر مطلقا، وهو رأي الظاهرية الذين يحصرون مظان العلم بمقاصد الشارع في الظواهر والنصوص، ولعله يشار إليه في كتاب القياس إن شال الله؛ فإن القول به بإطلاق أخذ في طرف تشهد الشريعة بأنه ليس على إطلاقه كما قالوا.

والثاني في الطرف الآخر من هذا؛ إلا أنه ضربان:

الأول: دعوى أن مقصد الشارع ليس في هذه الظواهر ولا ما يفهم منها وإنما المقصود أمر آخر وراءه، ويطرد هذا في جميع الشريعة؛ حتى لا يبقى في ظاهرها متمسك يمكن أن يلتمس منه معرفة مقاصد الشارع، وهذا رأي كل قاصد لإبطال الشريعة وهم الباطنية؛ فإنهم لما قالوا بالإمام المعصوم لم يمكنهم ذلك إلا بالقدح في النصوص والظواهر الشرعية لكي يفتقر إليه على زعمهم، ومآل هذا الرأي إلى الكفر والعياذ بالله، والأولى أن لا يلتفت إلى قول هؤلاء؛ فلننزل عنه إلى قسم آخر يقرب من موازنة الأول، وهو:

الضرب الثاني: بأن يقال: إن مقصود الشارع الالتفات إلى معاني الألفاظ، بحيث لا تعتبر الظواهر والنصوص إلا بها على الإطلاق، فإن خالف النص المعنى النظري اطّرح وقدم المعنى النظري، وهو إما بناء على وجوب مراعاة المصالح على الإطلاق، أو على عدم الوجوب، لكن مع تحكيم المعنى جدًا حتى تكون الألفاظ الشرعية تابعة للمعاني النظرية، وهو رأي "المتعمقين في القياس"، المقدمين له على النصوص، وهذا في طرف آخر من القسم الأول.

والثالث: أن يقال باعتبار الأمرين جميعا، على وجه لا يخل فيه المعنى بالنص، ولا بالعكس؛ لتجري الشريعة على نظام واحد لا اختلاف فيه ولا تناقض، وهو الذي أمه أكثر العلماء الراسخين؛ فعليه الاعتماد في الضابط الذي به يعرف مقصد الشارع" الموافقات، 3/ 134.

فهل لصاحبك في هذا ذرة فهم حتى يقول لنا ما فهمه إن وعى هذا الكلام؟

ثم حين يجعل من التمسك بقواعد الفقه وفروعه حجته، فكيف إذن ير بط صاحبك بين الفرع واصله، وكيف يعرف الأشباه والنظائر، وكيف يعرف الفروق، وكيف يبرز العلل وكيف يتمكن من تنزيل الأحكام أصلا دون أن يعرف موارد المقاصد فيها؟.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير