المبسوط (10/ 3) للسرخسي … الكافي لابن عبد البر (1463) حواشي تحفة المحتاج على المنهاج للنووي (9/ 212) المغني لابن قدامة (9/ 196) بداية المجتهد (1/ونهاية المقتصد (1/ 396)
(4)
الوجه الثاني الدال على أن الجهاد فرض كفاية وليس فرض عين.
النصوص التي ذكرت في الوجه الأول دلت دلالة عامة على أن الجهاد فرض، وقد وردت نصوص أخرى تدل على أن هذه الفريضة كفائية وليست عينية، والقياس يقتضي ذلك أيضا.
أولا: الأدلة من القرآن الكريم:
من ذلك قول الله عز وجل: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) [التوبة 122]
ودلالة الآية على المقصود من وجهين: الوجه الأول: في قوله تعالى: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) أي ما صح ذلك ولا استقام أن يهب جميع أفراد المؤمنين القادرين على الجهاد للغزو، لما في ذلك من ضياع من وراءهم من العيال، ومن ترك السعي للرزق وحرث الأرض وعمارتها التي لا يتم الجهاد إلا بها.
سواء فسر الفريق المتفقه في الدين بالنافرين للجهاد، أم بالمقيم في البلد.
الوجه الثاني من دلالة الآية، يؤخذ من قوله تعالى:) فلولا نفر من كل فرقة طائفة منهم ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم (فإنه ظاهر بأن الله تعالى كما نفى في أول الآية أن ينفر المسلمون للجهاد كافة، حض في آخرها على أن ينفر من كل جماعة من المسلمين طائفة لتقوم الطائفة النافرة بفرض الجهاد الذي يسقط عن الباقية، وتقوم الباقية بالمصالح التي لا بد منها …
ـ وقوله تعالى: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما) [النساء: 95]
ودلالة الآية على أن الجهاد فرض كفاية واضحة، لأن الله فضل المجاهدين على القاعدين بدون عذر، ووعدهم جميعا بالحسنى، فالقاعد عن الجهاد بدون عذر لا يأثم إذا قام به غيره قياما كافيا، ولم يستنفره ولي الأمر.
ـ وقوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) [آل عمران 104]
والجهاد قمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهما فرض كفاية.
وفي الحلقة القادمة سيكون الكلام في دلالة السنة - وكذا المعنى - على أن الجهاد فرض كفاية.
(5)
ثانيا: الأدلة من السنة على أن الجهاد فرض كفاية:
1 - من السنة القولية:
من ذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثا إلى بني لحيان من هذيل، فقال: (لينبعث من كل رجلين أحدهما، والأجر بينهما) وفي رواية: (وليخرج من كل رجلين رجل) ثم قال للقاعد: (أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج) رواه الإمام مسلم [3/ 1507].
فالحديث صريح في أن الجهاد ليس فرضا على الأعيان، بل هو فرض كفاية، وإلا لما قال: (لينبعث من كل رجلين أحدهما] ولما أثبت للقاعد الذي يخلف الخارج أجرا
[والأحر بينهما]
ومن ذلك حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلفه في أهله وماله بخير فقد غزا) مسلم أيضا نفس الجزء والصفحة.
2 - السنة الفعلية:
فقد كان صلى الله عليه وسلم يخرج في الغزوات تارة، ويبقى في المدينة تارة، ويؤمر غيره على الغزوة أو السرية، كما في حديث بريدة عن، أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية، وصاه في خاصته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: (اغزوا باسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله …) الحديث. رواه مسلم [3/ 1357]
ولم يكن يأمر جميع أصحابه بالخروج، بل يأمر بعضهم دون بعض، إلا أ ن يكون نفيرا عاما،كما في غزوة تبوك. وهذا من أقوى الأدلة على أن الجهاد ليس فرض عين وإنما هو فرض كفاية.
2 - المعنى يقتضي كون الجهاد فرض كفاية.
¥