قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:" وأما حِكمتُها فظاهرةٌ جدّاً:
ـ ففيها إحسانٌ إلى الفقراءِ وكفٌّ لهم عن السؤالِ في أيام العيدِ ليُشَاركوا الأغنياءَ في فرحِهم وسرورِهم بِه ويكونَ عيداً للجميع.
ـ وفيها الاتصافُ بخلق الكرمِ وحبِّ المواساة.
ـ وفيها تطهيرُ الصائمِ مما يحصلُ في صيامِه من نقصٍ ولَغْوٍ وإثْمٍ.
ـ وفيها إظهارُ شكرِ نعمةِ الله بإتْمامِ صيامِ شهرِ رمضانَ وقيامِه وفعلِ ما تَيَسَّرَ من الأعمالِ الصالحةِ فيه" [10].
4_على مَن تجب:
زكاة الفطر فرض على كل نفسٍ من المسلمين, كبيراً كان أو صغيراً, ذكراً أو أنثى, حرّاً أو عبداً, لنص حديث ابن عمر المتقدم.
فائدة: هل يَجب عن الجنين فِطرة؟
لا تجب عن الجنين فِطرة, لعدم وروده في الحديث, إذ لا يُسمى صغيرا لغةً ولا عرفاً [11] ,قال ابن المنذر: وأجمعوا على أن لا زكاة على الجنين في بطن أمه, وانفرد ابن حنبل فكان يحبه ولا يوجبه [12].
5_مَن يؤديها:
يُخرجها المسلم الحر عن نفسه أصالة, ويخرجها عن كل مَن وجب عليه شرعا أن ينفق عليهم ويعولهم من المسلمين, كزوجته وولده ووالده الفقير. والدليل: حديث ابن عمر: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد مِمَّن تمونون [13] " [14] , وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: "أنه كان يعطي صدقة الفطر عن جميع أهله صغيرهم وكبيرهم عمن يعول وعن رقيقه ورقيق نسائه" [15]. ولا يخرجها إلا مَن مَلك القدرة على ذلك, وضابط القدرة غنىً يملك فيه زيادةً على قوتٍ يكفيه ومَن يَمونهم يوم العيد وليلته, وليس شرطاً أن يملك نصابَ زكاةٍ (من نقد أو غيره). والدليل: حديث سهل بن الحنظلية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار". فقالوا: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: "قدر ما يغديه ويعشيه". وَقَالَ النُّفيلىّ (أحد رواة الحديث) في موضع آخر: "أن يكون له شبع يوم أو ليلة ويوم " [16] , ولأنّها زكاة بدنيةٌ لا مالية [17].
فائدة:
أ-زكاة الفطر لا تلزم الرجل عن:
1 - زوجته الناشز وزوجته التي لم يدخل بها لعدم وجوب الإنفاق منه عليهما, لحديث ابن عمر المتقدم: " ... ممن تمونون".
2 - زوجته الكتابية لفقد شرط الإسلام, لحديث ابن عمر:" ... من المسلمين".
ب- يجب على الرجل فِطرة زوجته المطلقة طلاقا رجعيا لبقاء الرابطة الزوجية وأحكامها من إيجاب النفقة وغيرها.
6 - صفة إخراجها:
أ-جنسها:
زكاة الفطر تُخرج مِمّا يُعتبر طعاماً مكيلاً مدخرًا كالتمر أو الأرز أو غيرهما من غالب قوت البلد, لحديث:
1 - أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قَالَ: "كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ". وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالأَقِطُ وَالتَّمْرُ. [صحيح البخاري (6/ 39)].
2 - أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ. [صحيح البخاري (6/ 32)]
3 - ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَدُّوا صَاعاً من طعامٍ في الفطْر" [18]. يُفهم من هذه الأحاديث: أن اختلاف المُخْرَج (الشّعيرِ والزّبيب والأقط والتّمر) سببُه اعتبارُ طعامهم, ولَمّا وُجدت في عهدهم أصناف أخرى كاللحم مثلا ولم يُخرجوا منها, دلّ على تأثير أوصاف أخرى زائدة على الطعام وهي الكيل والادخار, وهما اللذان يتوفران في الأصناف المنصوص عليها [19].
فائدة [20]:
غلب على الناس منذ أزمانٍ متلاحقة إخراجُ زكاة الفطر قيمةً على خلاف الهدي الذي جاء به الشرع، وتقادم به العهد حتى صار مَن يُخرجها طعاماً كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مُحدِثاً بينهم ما لا ينبغي أن يكون؟! فهل إخراجها قيمةً (نقداً) هو الحقّ؟
الصواب الذي ذهب إليه جماهير أهل العلم-مُراعين فيه موافقة مقصود الشرع- أنّ إخراجها قيمةً: لا يجوز، بل لا يجزئ (أي: لا يصح):
¥