- قال محمد بن أحمد عليش المالكي رحمه الله: "هذا الإخراج غير صحيح فلا يجزئ في براءة الذمة من الواجب ... وقد راجعت كثيرا من شرّاح المختصر (يقصد خليل) وغيرها, فلم أرَ من أشار إلى ذلك وعباراتهم في باب زكاة الفطر صريحةٌ في تعين الطعام وعدم إجزاء غيره, والله أعلم" [21].
- قال النووي: "ولم يجز عامة الفقهاء إخراج القيمة ... " [22] , وقال أيضاً: "ولا تُجزئ الفطرة عندنا (أي الشافعية) وبه قال مالك وأحمد وابن المنذر ... " [23].
_ قال ابن قدامة: "قال أبو داود: قيل لأحمد وأنا أسمع: أعطي دراهم؟ (يعني: في صدقة الفطر) , قال: أخاف أن لا يجزئه خلاف سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم" [24].
- قال ابن حزم: " ... ولا تجزئ قيمةً أصلاً، لأن كل ذلك غير ما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم" [25].
- ومن المعاصرين: الشيخ أبو بكر الجزائري -حفظه الله- حيث قال في زكاة الفطر: لا تخرج من غير الطعام ولا يعدل عنه إلى النقود إلا لضرورة, إذ لم يثبت أن النبي صلي الله عليه وسلم أخرج بدلها نقودا, بل لم ينقل عن الصحابة إخراجها نقودًا [26].
ودليلهم ما في ذلك من:
1 - مُخالفة الهدي النبوي الموقعةُ في وعيد قوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردٌ". متفق عليه.
2 - مخالفة سبيل الصحابة وعملهم, حيث كانوا يخرجونها صاعاً من طعام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي" [27].
3 - كما أنّ تشريع العبادة حقٌّ محضٌ لله لا يؤذن فيه إلا بتوقيف منه، قال أبو إسحاق الشيرازي الشافعي: "ولا يجوز أخذ القيمة في شيء من الزكاة لأن الحق لله وقد علقه على ما نص عليه؛ فلا يجوز نقل ذلك إلى غيره كالأضحية لما علقها علي الأنعام لم يجز نقلها إلى غيرها" [28].
4 - ولأن الهيئة التي أمر الله بإخراج الزكاة عليها صيَّرتها شعيرةً ظاهرةً بين المسلمين معلومةً للصغير والكبير؛ يشاهدون كَيْلها وتوزيعها ويتعارفونها بينهم, فصار إخراجها قيمةً يُخْرِجها عن كونها شعيرة ظاهرة إلى كونها صدقة خفية بينه وبين الآخذ.
5 - ثم لعلّ المناسبة تكون أظهر في إخراجها طعاما لا نقداً, من جهة أن الصائم كان ممتنعا حال صومه عن الطعام أكلاً وشُرباً, فناسب أن تكون زكاته مِن جنس ما امتنع عنه وهو الطعام, ليُصادف بذلك شيئين غايةً في الموافقة: أحدهما: تطهير الصائم نفسه بِمزيد البذل لنفس ما كان يشتهيه طِوال الشهر. ثانيهما: الإحسان إلى المسكين بإطعامه بعد الإحساس بِجوعه حالاً وواقعاً لا عن خبرٍ وحكاية.
وهل يجوز إخراجها شيئاً آخر غير قوت الآدمي؟
لا يُشرع إخراج الصدقة من غير طعام الآدميين, لا من الثياب ولا الأَفْرشة ولا باقي متاع البيت كالأواني وغيرها؛ لأن أعلم الناس بما يُشرَع ويَصلُح للناس وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضها من الطعام فلا تتعدى ما عيَّنه وأمر به؛ وقال مالك: "ولا يُجزئ الرّجل أن يعطي مكان زكاة الفطر عرضاً من العروض، قال: وليس كذلك أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ... " [29].
موعظة [30]:
قال أبو داود: قيل لأحمد وأنا أسمع: أعطي دراهم؟ (يعني: في صدقة الفطر) , قال: أخاف أن لا يُجزئه خلاف سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال أبو طالب: قال لي أحمد لا يعطي قيمته، قيل له: قوم يقولون: عمر بن عبد العزيز كان يأخذ بالقيمة! قال: يدعون قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ويقولون قال فلان، قال ابن عمر: فرض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (زكاة الفطر صاعاً .... ) , وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:?أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ?, وقال قوم يردون السنن: قال فلان، قال فلان.
ب-مقدارها:
الواجب إخراجُه في زكاة الفطر: صاعٌ من الطعام المكيل المدخر ما عدا القمح فنصف صاع يُجزئ.
¥