أما دليل القمح (ويسمّى: البر أو الحنطة): فحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أدُّوا صاعاً من برٍ أو قمحٍ بين اثنين أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير عن كل حر وعبد وصغير وكبير" [31] , وحديث عروة بن الزبير: "أن أسماء بنت أبي بكر كانت تُخرِج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهلها الحر منهم والمملوك مُدّين من حنطةٍ أو صاعاً من تمر بالمد أو بالصاع الذي يقتاتون به " [32]. فهما نصف صاعٍ لأن الصّاع أربعةُ أمداد [33].
وأما دليل باقي الأصناف: فحديث أبي سعيد الخدري المتقدم:" ... صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ", وحديث ابن عباس المتقدم أيضاً:" أدُّوا صاعاً من طعامٍ في الفِطْر".
7 - أهلها:
تُصرف صدقة الفطر إلى المساكين والفقراء فقط, ولا تُقَسم على الأصناف الثمانية. وذلك لحديث ابن عباس المذكور آنفا: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين ... ", وهذا هو الذي كان هَديَه صلى الله عليه وسلم, فلا يُعرف أنه وزعها على الأصناف الثمانية ولا أمر بذلك؛ لا هو ولا أصحابه [34] , وحريٌّ بشيء مثل هذا لو أنه وقع لكان نُقل.
ولأن صدقة الفطر من جنس الكفارات, فكلاهما متعلق بالبدن, فلا يُجزئ إعطاؤها إلا لمن يستحق الكفارة (وهم: الفقراء والمساكين) [35].
8 - وقت إخراجها:
تؤدى صدقة الفطر يوم عيد الفطر قبل الفراغ من صلاة العيد [36] , لحديث ابن عمر المذكور آنفاً: " ... وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة", ولا يجوز تأخيرها عن ذلك, فإنْ فعل بلا عُذرٍ لم تُقْبَلْ منه, لحديث ابن عباس المذكور سابقاً:" ... مَن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة, ومَن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات". ويجوز تعجيلها إلى من وُكل بِجمعها وتوزيعها بيومين أو ثلاثة لأثر ابن عمر أنه كان يبعث بزكاة الفطر إلى مَن تُجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة [37]. وعن أيوب: "قلت لنافع: متى كان ابن عمر يعطي؟ قال: إذا قعد العامل قلت: متى يقعد العامل؟ قال: قبل الفطر بيوم أو يومين " [38].
وعن ابن سيرين قال: "لما قدم ابن عباس البصرة قال: أين صدقاتكم؟ أما تجمعونها؟ قال: قد كانوا يجمعونها فنُزكيها, قال: فاجمعوها" [39].
خاتِمة:
وإذ قد تمّ الغرض من هذه المباحث الخفيفة حول أحكام زكاة الفطر نشكر الله تعالى على توفيقه لما فيها من الصواب ونستغفره لما فيها من غير ذلك.
ا-انظر: طلبة الطلبة (1/ 227).
[2]-انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية, مادة: زكاة الفطر.
[3]-المجموع (6/ 103).
[4]-انظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري (17/ 61) ومرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (5/ 123).
[5]-أخرجه أبو داود في سننه1609 وابن ماجه في سننه1827 وحسنه الألباني. انظر: الإرواء (843)
[6]- فإن قيل: لعل السورة مكية وقد سبق أن تشريعها كان في المدينة؟ فالجواب: ماقال بدر الدين العيني الحنفي رحمه الله: "لا يبعد أن تكون السورة مكية, وتكون الآيتان مدنيتين. وجواب آخر وهو الأوجه: أن نزول السورة كلها كان بمكة, ولكن النبي بين أن المراد من الآيتين صلاة العيد وصدقة الفطر, ولا شك أن النبي مبين للشرائع والأحكام". عمدة القاري شرح صحيح البخاري (25/ 159).
[7]-التمهيد (14/ 324).
[8]-الإجماع لابن المنذر (1/ 6).
[9]-السنن الكبرى للبيهقي (4/ 159).
[10]-مجالس شهر رمضان (1/ 137).
[11]-فتح الباري لابن حجر (5/ 136).
[12]-الإجماع لابن المنذر (1/ 6).
[13]- معناه: اخرجوا عمن تلزمكم مؤونتهم ونفقتهم ممن تعولون, يقال: منت فلانا أمونه إذا قمت بكفايته. [الزاهر (1/ 161)]
[14]-رواه الدارقطني (220) وحسنه الألباني. انظر: إرواء الغليل (835).
[15]-رواه الدارقطني (5/ 349) , وقال الألباني: وهذا سنده صحيح موقوف. انظر: إرواء الغليل (3/ 320).
[16]-رواه أبو داود (1453) وصححه الألباني, انظر: مشكاة المصابيح (1/ 416).
[17]-انظر: بداية المجتهد (1/ 348) وفتح الباري لابن حجر (5/ 136).
[18]-أخرجه البيهقي (4/ 167) , وصححه الألباني, انظر: السلسلة الصحيحة (1179).
[19]-انظر: المغني (5/ 485) بتصرف.
[20]-انظر: مجالس شهر رمضان (1/ 277) بتصرف.
[21]-فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (1/ 167).
[22]-شرح مسلم (3/ 417).
[23]-المَجموع (6/ 91).
[24]-المغني (5/ 488).
[25]-المحلى (6/ 137).
[26]-انظر: منهاج المسلم.
[27]-رواه ابن ماجه (44) وصححه الألباني في الإرواء (2455).
[28]-المجموع (5/ 428).
[29]-المدونة (2/ 390).
[30]-المغني (5/ 488).
[31]-أخرجه الدارقطني (223) وأحمد (5/ 432) وصححه الألباني, انظر: السلسلة الصحيحة (1177).
[32]-قال الألباني: أخرجه الطحاوي واللفظ له وابن أبي شيبة وأحمد وسنده صحيح على شرط الشيخين. انظر: تمام المنة (1/ 387).
[33]-المنتقى- شرح الموطأ (2/ 143).
[34]-انظر: زاد المعاد (2/ 20).
[35]-انظر: مجموع الفتاوى (25/ 69).
[36]-قال الترمذي: "وهذا الذي استحبه أهل العلم أن يخرج الرجل صدقة الفطر قبل الغدوّ إلى الصلاة". [تحفة الأحوذي (2/ 29)] وذهب بعض أهل العلم إلى أنه "لا يجوز لمن وليها عن نفسه أن يخرجها قبل وقت وجوبها هذا هو المشهور من مذهب مالك", فهو الأحوط.
[37]-أخرجه مالك (1/ 285) وصححه زكريا الباكستاني في "ما صح من آثار الصحابة في الفقه" (605).
[38]-رواه ابن خزيمة (2204) انظر: إرواء الغليل (3/ 335).
[39]-رواه ابن زنجويه (3/ 1253) وصححه زكريا الباكستاني في "ما صح من آثار الصحابة في الفقه" (605).
¥