ولا شكّ أنّه ليس كلّ ما اعتمدته قوانين التجارة وعرفها جاز فعله والتعامل به، بل لابدّ من البحث فيه ومعرفة حكمه شرعا لِنَقُولَ هو داخل تحت عموم الأدلّة المبيحة للعقود والشروط أو هو مستثنى فيخرج بنصّ من كتاب أو سنّة أو قياس صحيح فيمنع ويحرم التعامل به؛ هذا ما حاولتُ دراسته في هذه الوريقات لأبيّن ما ظهر لي منه تحت خطّة مرسومة في ثنايا هذا البحث مبتدئا بتعريف بيع العربون مع بيان أقوال الفقهاء فيها مع نسبتها إلى قائليها ثمّ بعد ذلك عرض أدلّتهم ومناقشتها وفي الأخير نصل إلى خاتمة البحث وفيها نذكر ما خلصنا إليه من خلال ما أفرزته الأدلّة ومناقشتها.
تعريف العربون لغة:
العُرْبُون والعَرَبُون والعُرْبَان هو ما عقد به البيع من الثّمن [3].
وعن صورته، قال ابن الأثير: «هو أن يشتري السلعة ويدفع إلى صاحبها شيئا على أنّه إن أمضى البيع حسب من الثمن، وإن لم يمض البيع كان لصاحب السلعة ولم يرتجعه المشتري.
وقيل سمّي بذلك لأنّ فيه إعرابا لعقد البيع أي إصلاحا و إزالة فساد، لئلاّ يملكه غيره باشترائه» اهـ[4] ( http://www.rayatalislah.com/dirassat-wa-bouhouth/articles/bey3-el-orboune.htm#_edn4).
والإعراب إعطاء العربون كالتعريب الذي هو البيان لأنّه بيان للبيع.
قال الفرّاء: «أعربت وعرّبت تعريبا وعربنت إذا أعطيت العربان، والعربان كعثمان» [5] ( http://www.rayatalislah.com/dirassat-wa-bouhouth/articles/bey3-el-orboune.htm#_edn5).
تعريف العربون اصطلاحا:
قال الإمام مالك رحمه الله: «أن يشتري الرجل العبد أو الوليدة أو يتكارى دابّة ثمّ يقول للذي اشترى منه أو تكارى منه: أعطيك دينارا أو درهما أو أكثر من ذلك أو أقلّ على أنّي إن أخذت السلعة أو ركبت ما تكاريت منك، فالذي أعطيتك هو من ثمن السلعة أو من كراء الدابّة، وإن تركت ابتياع السلعة أو كراء الدابّة فما أعطيتك لك باطل بغير شيء» [6] ( http://www.rayatalislah.com/dirassat-wa-bouhouth/articles/bey3-el-orboune.htm#_edn6).
والمعنى كما هو موضّح في الشرح أي لا رجوع لي به عليك [7] ( http://www.rayatalislah.com/dirassat-wa-bouhouth/articles/bey3-el-orboune.htm#_edn7).
وهذا المعنى هو السائد عند الفقهاء، وذكر التوقيت ليس شرطا في ضبط التعريف وصحّته، بل صورته ما ذكرنا عن الإمام مالك رحمه الله، كما أنّ المدفوع من الثمن للبائع يبقى عنده؛ والإجارة في حكم البيع ولهذا قال صاحب التاج: «فكما أنّه يكون في البيع يكون في الإجارة وكأنّه لَمّا كان الغالب إطلاقه في البيع اقتصروا عليه» اهـ[8].
والظاهر أن ّ تعريف الإمام مالك هو العمدة وغيره من التعاريف مأخوذة منه [9] ( http://www.rayatalislah.com/dirassat-wa-bouhouth/articles/bey3-el-orboune.htm#_edn9).
أقوال العلماء في حكم بيع العربون:
اختلف العلماء في حكم بيع العربون إلى قولين:
الأوّل: ذهب إليه جمهور علماء الأمصار إلى أنّه غير جائز بل هو باطل ولا يصحّ؛ وهو قول مالك [10] ( http://www.rayatalislah.com/dirassat-wa-bouhouth/articles/bey3-el-orboune.htm#_edn10)، والشافعيّ [11]، والليث ابن سعد، وعبد العزيز بن أبي سلمة، وسفيان الثوري، والأوزاعي، والحنفية، وحكى ابن المنذر بطلانه عن ابن عباس والحسن البصريّ [12].
القول الثّاني: أجازه جماعة منهم الإمام أحمد ـ في رواية الميموني عنه ـ وهو قول جمهور الحنابلة [13]، ومن الصحابة [14]: عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله بن عمر، ونافع بن الحارث، وصفوان بن أميّة رضي الله عنهم.
ومن التابعين [15] ( http://www.rayatalislah.com/dirassat-wa-bouhouth/articles/bey3-el-orboune.htm#_edn15): زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطّاب، ومجاهد، وابن سيرين، ونافع مولى ابن عمر، وسعيد بن المسيّب.
عرض أدلّة الفريقين ومناقشتها:
أدلّة الفريق الأوّل القائلين بعدم الجواز
استدلّوا أوّلا: من الكتاب:
بقوله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ... ? الآية [النساء: 29].
¥