قال القرطبيّ: مفسّرا كلمة ?بالباطل?: «أي بغير حقّ ووجوه ذلك تكثر ... ومِن أكل المال بالباطل بيع العربون ... لأنّه من باب القمار والغرر والمخاطرة، وأكل المال بالباطل بغير عوض ولا هبة وذلك باطل بالإجماع» اهـ[16] ( http://www.rayatalislah.com/dirassat-wa-bouhouth/articles/bey3-el-orboune.htm#_edn16).
والجواب على هذا الاستدلال يكون من وجهين:
الأوّل: أنّه لا يسلّم أنّ بيع العربون من الباطل حتّى تبيّنه بالدليل، وحينئذ يدخل هذا في هذا العموم، فهي دليل عل أنّ الباطل في المعاملات لا يجوز وليس فيها تعيين الباطل [17].
الوجه الثاني: أنّ الاستدلال على أنّ بيع العربون من أكل المال بالباطل يدفعه الاستثناء المذكور في تَمام الآية نفسها وهي قوله: ?إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ?.
قال ابن القيّم: «فأباح التجارة التي تراضى بها المتبايعان، فإذا تراضيا على شرط لا يخالف حكم الله جاز لهما ذلك» [18].
ثانيا: من السنّة من وجهين:
الأوّل: الأحاديث المانعة من بيع الغرر حيث أفردها العلماء في كتبهم الفقهيّة تحت باب مستقلّ وجعلوه أصلا بنفسه يدخل فيه جملة من البيوعات التي تفيد الغرر وداخلة تحت أكل أموال الناس بالباطل المنهيّ عنه كما هو مبيّن في كتبهم [19] ( http://www.rayatalislah.com/dirassat-wa-bouhouth/articles/bey3-el-orboune.htm#_edn19).
والجواب: أنّ هذا غير مسلّم؛ لأنّ بيوعات الغرر في الشرع معروفة وليس كلّ بيع ترددّ فيه بين الإمضاء والفسخ هو من باب الغرر، ولهذا قال ابن القيّم [الزاد (5/ 822)]: «من حرّم بيع شيء وادّعى أنّه غرر طولب بدخوله في مسمّى الغرر لغة وشرعا» اهـ. إذ الغرر معناه: ما تردّد بين شيئين أغلبهما أخوفهما وهذا المعنى غير متحقّق في بيع العربون؛ لأنّ عدم التوقيت أو الخيار المجهول لا يضرّ إذ هو في صورة المعلوم عرفا.
الوجه الثاني: ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه: «أنّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن العربان في البيع» [20].
وأجيب عن هذا الحديث بعدّة أجوبة [21] ( http://www.rayatalislah.com/dirassat-wa-bouhouth/articles/bey3-el-orboune.htm#_edn21):
أ ـ أن فيه راويا لم يسمّ.
ب ـ وإن سمّي في رواية لابن ماجه فهي ضعيفة؛ لأجل عبد الله بن عامر الأسلميّ، وقيل لأجل ابن لهيعة وهما ضعيفان.
ج ـ ورواه الدارقطنيّ والخطيب في الرواة عن مالك من طريق الهيثم بن اليمان عنه عن عمرو بن الحارث عن عمرو بن شعيب، وعمرو بن الحارث ثقة والهيثم ضعّفه الأزديّ، وقال أبو حاتم: صدوق، وذكر الدارقطنيّ أنّه تفرّد بقوله عن عمرو بن الحارث.
د ـ قال ابن عدي: «يقال إن ّمالكا سمع هذا الحديث من ابن لهيعة».
هـ ـ ورواه البيهقيّ (5/ 342) عن عاصم بن عبد العزيز عن الحارث بن عبد الرحمن عن عمرو بن شعيب وقال البيهقيّ: «عاصم بن عبد العزيز الأشجعيّ فيه نظر ... والأصل في هذا الحديث مرسل مالك» اهـ.
الدليل الثالث من المعقول: وذلك من وجهين:
الأوّل: أنّ بيع العربون إنّما نهى الشرع عنه لما احتوى من شرط فاسد [22] ( http://www.rayatalislah.com/dirassat-wa-bouhouth/articles/bey3-el-orboune.htm#_edn22).
الوجه الثاني: بل ذهب بعضهم إلى أنّه يحتوي على شرطين فاسدين [23].
· فساد شرط كون ما دفعه إليه يكون بدون عوض إن اختار ترك السلعة كما أفاده التعريف للعربون.
· والثاني: فساد شرط الرّد على البائع إذا لم يقع منه الرضا بالبيع.
والجواب عن الاستدلال الأوّل من المعقول، هو أنّ فساد الشرط إمّا أن يكون من قبل النصّ وهذا ليس لكم به متعلق لضعفه.
وإمّا أن يكون لعدم وجود النصّ عليه وهذا لا يلزمن، إذ الأصل في المعاملات والأعيان الحلّ والصحّة وعدم الحرمة.
وإمّا أن يكون من قبل أنّه خالف نصّا أو قياسا صحيحا فعيّنوه لنا.
وأما الجواب عن الوجه الثاني من القسم الأوّل منه أنّه حصل له ذلك بالشرط فأشبه الهبة.
وأمّا الثاني فنظيره في الشرع موجود حلّه وهو بيع الخيار وهو مشروع سواء كان خيار المجلس أو الشرط إذ يشترك كلّ من بيع العربون وبيع خيار الشرط والمجلس في التخيير بين إمضاء البيع وفسخه [24].
أدلّة الفريق الثاني القائلين بجواز بيع العربون:
استدلّ أصحاب هذا القول بأنّ الأصل في المعاملات الحلّ والصحّة.
¥