تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن منطق الناس في معاملاتهم وعرفهم واصطلاحهم في التعبير، يقضي بأن يكون لتقييد حكم الواقعة المذكورة في كلامهم، غرضا يؤدي إلى سلب الحكم عنها في حال انتفائه وإلا ” كان التقييد في عرفهم عبثا ” [9] ولهذا ” أجمع الأصوليون ممن يقام لآرائهم وزن أن مفهوم المخالفة في أقوال الناس وكذلك في مؤلفات العلماء حجة ” [10].

وثمرة هذا الإجماع، تظهر في قول الواقف:” جعلت ثمن ريع وقفي من بعدي لأرملتي إذا لم تتزوج، منطوقه ثبوت الاستحقاق لأرملته إذا لم تتزوج، ومفهوم المخالفة له نفي استحقاقها إذا تزوجت ونصه حجة على الحكمين ” [11].

وهكذا كل عبارة من أي عاقد أو متصرف أو مؤلف أو أي قائل، إذا قيدت بوصف أو شرط أوحدت بعدد أو غاية تكون حجة على ثبوت الحكم الوارد فيها حيث يوجد ما قيدت به وعلى نفيه حيث ينتفي، ولهذا قال المالكية:” أن متابعة شرط الواقف والعمل بمدلولها وجوبا مادام جائزا ” [12]، لأنهم يقولون به في كلام الناس.

وتظهر للمسألة أيضا ثمرة فقهية أخرى تتمثل ” فيما لو تخاصم شخصان فقال أحدهما للآخر: أما أنا فليس لي أم ولا أخت ولا امرأة زانية، فإنه يتبادر إلى الفهم نسبة الزنا منه إلى زوجة خصمه وأمه وأخته ” [13] وقد قال فيها المالكية أيضا بالحد كاملا [14] جريا على الأصل.

كما أنهم وظفوا هذه الدلالة في تفسير نصوص المؤلفين والمصنفين، يدلك على ذلك أنهم كانوا يعمدون إلى أقوال المدونة أو غيرها من كتب المختصر خاصة ” فيستنبطون من ألفاظها ما تحتمله،ويأخذون بمفهوماتها بل كثيرا ما يستدلون بمفهوم كلام ابن القاسم وغيره، فضلا عن مالك ” [15].

ويعرض للمسألة إشارة هامة تتمثل في أن كلام الناس قد لا يؤخذ منه مفهوم، فيما لو عرض له مانع، وهذا المانع:

1 - الخوف، كما لو قال قريب العهد بالإسلام لعبده بحضور المسلمين تصدق بهذا على المسلمين، فلا مفهوم لقوله “على المسلمين” لأنه سكت عن غير المسلمين خوفا من لائمة النفاق [16].

2 - جهل المتكلم للحكم المسكوت عنه، كما لو قال مفت يجهل حكم زكاة المعلوفة:”في السائمة زكاة” فلا مفهوم له، لأنه إنما سكت عن المعلوفة لجهله حكمها [17].

وهكذا يتضح أن دليل الخطاب كما يعمل به النصوص الشرعية، يكون كذلك حاضرا في كلام الناس ومعاملاتهم.

ثالثا: مقتضيات العمل به عند السادة المالكية

لنقول إن هذا الحكم مأخوذ من دليل خطاب الآية أو الحديث، يلزم أن يتضمن النص الشرعي أركان هذا الدليل، وأن تتوفر شروط إعماله كما نص عليها الأصوليون.

أ— أركانه: أركان دليل الخطاب أو عناصره التي لا بد منها حتى يعمل به في الواقعة المسكوت عنها، خمسة:

واقعة منصوص عليها – حكم هذه الواقعة الوارد في النص نفسه – قيد وارد في النص من وصف أو شرط أو غاية أو عدد مرتبط به الحكم المنطوق – الواقعة نفسها غير مقيدة بذلك القيد ولا منطوق بها – حكمها غير المنطوق به المناقض للحكم المنطوق لانتفاء القيد [18].

فالواقعة نفسها بما ذكرت به في النص وحكمها، كل منها يسمى في الاصطلاح “منطوقا”والواقعة نفسها وحكمها المسكوت عنهما في النص كل منها يسمى”مفهوما”، فمن الوقائع منطوق ومفهوم ومن الأحكام كذلك منطوق ومفهوم [19]، ويضاف إليها القيد الوارد في المنطوق من وصف أو شرط …وعدم وجوده في الواقعة المسكوت عنها يعطي نقيض الحكم المنطوق.

مثال: قوله صلى الله عليه وسلم “من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع “ [20].

الواقعة المنصوص عليها

حكمها

القيد الوارد فيها

الواقعة المسكوت عنها

حكمها

بيع النخل المؤبرة

ثمرتها للبائع إلا إذا اشترطها المشتري

وصف”قد أبرت”

بيع النخل التي لم تؤبر

ثمرتها للمشتري

ب— شروطه: لم يترك أصوليو المالكية – ومعهم الجمهور المعملين لدليل الخطاب- العمل بالمفهوم عبثا، بل عملوا على تقييده بشروط تحدد ظروف العمل به،وتعين على ضبط الاعتداد به، فإذا تخلف أحد هذه الشروط حمل القيد على الفائدة المرجوة منه، لا على نفي الحكم عند انتفائه.

وقد تتبعت هذه الشروط فوجدت أنها ترجع عندهم إلى شرطين رئيسيين [21]:

أ - ألا يعارض المفهوم منطوق.

ب - ألا تظهر للقيد فائدة أخرى غير بيان التشريع.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير