تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

في "التفسير والمفسرون" (1

89): «يمتاز أهل العراق بأنهم أهل رأي. وهذه ظاهرة نجدها بكثرة في وسائل الخلاف. ويقول العلماء: إن ابن مسعود هو الذي وضع الأساس لهذه الطريقة في الاستدلال، ثم توارثها عنه علماء العراق».

وكان أبو حنيفة رجلاً ميسوراً يعمل بتجارة الحرير والثياب. وقد تخرج على يديه جمع من الفقهاء الكبار، من أمثال أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم (183هـ = 799م) وهو الذي نشر المذهب الحنفي وأول من كتب فيه، ومحمد بن الحسن الشيباني (189هـ = 805م) وهو الذي دوّن المذهب، وزفر بن الهذيل وغيرهم. ومسألة توثيق أبي حنيفة في رواية الحديث أفردنا لها مقالاً خاصاً.

قال شيخ الإسلام: «وأبو يوسف ومحمد هما صاحبا أبي حنيفة، وهما مختصان به كاختصاص الشافعي بمالك. ولعل خلافهما له يقارب خلاف الشافعي لمالك. وكل ذلك اتباعاً للدليل وقياماً بالواجب». بل ذكر ابن عابدين الحنفي في "حاشيته" (1

67): «حصلت مخالفة الصاحبين لأبي حنيفة في نحو ثلث المذهب». مما يدلك على بعدهم عن التقليد الذي صار –فيما بعد– صفة مميزة لمذهب الحنفية، وإن كان موجوداً عند غيرهم كذلك. والذي أفسد المذهب الحنفي هم المعتزلة الذين انتسبوا له، ثم دمروه من الداخل. فيقول الكرخي: «كل آية تخالف ما عليه أصحابنا فهي مؤولة أو منسوخة، وكل حديث كذلك فهو مؤول أو منسوخ»! (الأصل للكرخي 152 ملحقة بتأسيس النظر للدبوسي).

وهناك قصة مشهورة رواها ابن عبد البر في التمهيد (8

208) وفي جامع البيان (2

1209) فقال: وذكر عبد الرزاق قال: أنا معمر، عن أيوب قال: قال عروة ... قال ابن عباس: «والله ما أراكم منتهين حتى يعذبكم الله. نحدثكم عن رسول الله ( r)، وتُحَدِّثونا عن أبي بكرٍ وعمر؟!». وساق إسنادها ابن حزم في "حجة الوداع" (ص353) فقال: حدثنا حمام حدثنا الباجي حدثنا أحمد بن خال حدثنا الكشوري حدثنا الحذاقي حدثنا عبد الرزاق عن معمر ... بنفس اللفظ. فيا لهف نفسي، ما يقول ابن عباس t لو سمع مقولة الكرخي؟ بل ماذا يقول لو قرأ للكوثري؟

انتشار المذهب الحنفي

كان أبا حنيفة معارضاً للدولة الأموية في آخرها، وقد حاول واليها إجباره على قبول منصب القضاء بالترغيب والترهيب. فأبى أبا حنيفة وتحمل ضرب السياط في سبيل ذلك. بل إنه قام بدعم ثورة زيد بن علي زين العابدين ضد الخليفة هشام بن عبد الملك. ثم جاء العباسيون إلى الكوفة، وكان خليفتهم السفاح اسماً على مسمى! فابتعد أبو حنيفة عن السلطة، ورفض أن يتولى القضاء للمنصور العباسي، رغم كل السبل التي اقتفاها لاحتوائه. فكلما ازدادوا إلحاحاً عليه ازداد ابتعاداً عنهم ورفضاً لتولي القضاء. بل قام بتشجيع الناس على عدم معارضة ثورة النفس الزكية، التي خرجت في المدينة ضد العباسيين. واستمر في معارضته حتى وصل الأمر إلى سجنه وتعذيبه. وقيل: أنه مات مسموماً على أيدي العباسيين، والله أعلم.

مات أبو حنيفة دون أن يكون له مذهب يُعرف به وكان أتباعه يقتصرون على بعض الكوفيين. ثم إن السلطات بعد وفاة الإمام أبي حنيفة استطاعت أن تحتوي أكبر تلامذته، وهم: أبو يوسف القاضي (113 - 182هـ)، ومحمد بن الحسن الشيباني (131 - 189هـ)، والحسن بن زياد اللؤلؤي، وإناطة القضاء والإفتاء بهم. وكان أبو يوسف قد انضم إلى السلطة العباسية أيام المهدي العباسي سنة 158، وظل على ولائه أيام الهادي والرشيد. وما زال يتقرب من الخليفة حتى ولاه منصب قاضي القضاة، حيث صار تعيين قضاة الدولة بأمره. فكان لا يولي قاضياً إلاّ من أصحابه والمنتسبين إلى مذهبه. وهذا معناه تبني الدولة العباسية بأسرها لمذهب أبي يوسف الحنفي.

يقول ابن حزم كما في "نفح الطيب" (2

6): «مذهبان انتشرا –في بدء أمرهما– بالرياسة والسلطان: مذهب أبي حنيفة، فإنه لما ولي القضاء أبو يوسف، كانت القُضاة من قِبَلِهِ من أقصى المشرق إلى أقصى عمل إفريقية. فكان لا يولّي إلا أصحابه والمنتسبين لمذهبه. (ومذهب مالك ... ) والناس سُرّاعٌ إلى الدنيا. فأقبلوا على ما يرجون بلوغ أغراضهم به ... ». قال ابن عبد البرّ: «كان أبو يوسف قاضي القضاة، قضى لثلاثة من الخلفاء، ولي القضاء في بعض أيام المهدي ثم للهادي ثم للرشيد. وكان الرشيد يكرمه ويجلّه، وكان عنده حظياً مكيناً. لذلك كانت له اليد الطولى في نشر ذكر أبي حنيفة وإعلاء شأنه، لما أوتي من قوة السلطان،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير