تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وسلطان القوة».

لقد انتشر مذهب أبي حنيفة في البلاد منذ أن مكّن له أبو يوسف بعد تولّيه منصب قاضي القضاة في الدولة العباسية، وكان المذهب الرسمي لها، بالإضافة لمذهب مالك في الحجاز. فلما مات مالك، صار المذهب الحنفي المذهب الرسمي الوحيد. فانتشر في العراق وفي مشرقها من بلاد العجم: فارس وما وراء النهر (تركستان) وأفغانستان والهند. كما كان المذهب الرسمي لعدد من دول المشرق كدولة السلاجقة، والدولة الغرنوية ثم الدولة العثمانية. وبسبب فتواه الذي أجاز الخلافة لغير قريش، استحسن الأتراك مذهبه خلال حكم الدولة العثمانية واعتبروا المذهب الحنفي مذهب الدولة. ثم أخذوا يحملون الناس على اعتناق مذهبه، حتى أصبح أكبر مذهب إسلامي له أتباع بين المسلمين، بسبب طول فترة حكم الدولة العثمانية الذي امتد حوالي سبعة قرون من الزمن. بل بلغ بهم الأمر إلى فرض قراءة حفص عن عاصم، بدلاً من القراءات المنتشرة في العالم الإسلامي (وبخاصة قراءة الدوري)، لمجرد أن أبا حنيفة كان يقرأ بها! ونشر الأتراك مذهبه في شرق أوربا والعراق وشمال الشام، لكنهم فشلوا في فرضه في المناطق البعيدة عن نفوذهم كالجزيرة وإفريقيا.

المفاضلة بين أبي حنيفة ومالك

هذه القصة الشهيرة قد وقع فيها اضطراب عظيم في ألفاظها، وأصحها ما أخرجه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (1

12) عن ابن عبد الحكم بغير واسطة، ونقله الذهبي في السير، وقد اعتمدنا على لفظه، وهو الذي رجحه المعلمي. وأخرج القصة ابن عبد البر في الانتقاء (ص23) من نفس الطريق بغير هذا اللفظ. وأخرجها ابن الجوزي في "مناقب أحمد" (ص498) من نفس الطريق بغير هذا اللفظ. وأخرجها الهروي في "ذم الكلام" من طريق الربيع عن الشافعي بغير هذا اللفظ. وأخرجها الخطيب في "تاريخ بغداد" (2

177) من طريق الأبار عن يونس بن عبد الأعلى بلفظ مغاير جداً، وقال في آخره «أو كلاماً هذا معناه» أي أنه ينقل بالمعنى، ولا أراه أصاب المعنى أيضاً. ورواها ابن عبد البر في الانتقاء (ص24) عن محمد بن الربيع ومحمد بن سفيان عن يونس، بلفظ أقرب لرواية الربيع. وأما الحنفية فروايتهم مختلفة جداً. إذ روى القاضي أبو عاصم محمد بن أحمد العامري في "مبسوطه" أن الشافعي سأل محمداً: «أيما أعلم مالك أو أبو حنيفة؟». فقال محمد: «بماذا؟». قال: «بكتاب الله». قال: «أبو حنيفة». فقال: «من أعلم بسنة رسول الله r؟». فقال: «أبو حنيفة أعلم بالمعاني، ومالك أهدى للألفاظ».

قال الذهبي: قال ابن عبد الحكم قال: سمعت الشافعي يقول: قال لي محمد بن الحسن: «أيهما بالقرآن أعلم، صاحبنا أو صاحبكم؟» يعني أبا حنيفة ومالكاً. قلت: «على الإنصاف؟». قال: «نعم». قلت: «أنشدك بالله، من أعلم بالقرآن؟». قال: «صاحبكم». قلت: «نعم». قلت: «مَن أعْلَمَ بالسّنة؟». قال: «صاحبكم». قلت: «فمن أعلم بأقاويل الصحابة والمتقدّمين؟». قال: «صاحبكم». قلت: «فلم يبق إلا القياس. والقياس لا يكون إلا على هذه الأشياء. فمن لم يعرف الأصول، على أي شيء يقيس؟».

فقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (8

112): معقباً على القصة: «وعلى الإنصاف، لو قال قائلٌ: بل هما سواء في عِلم الكتاب. والأول (أبو حنيفة) أعلم بالقياس. والثاني (مالك) أعلم بالسنة. وعنده عِلمٌ جَمٌّ من أقوال كثيرٍ من الصحابة. كما أن الأول أعلمُ بأقاويل علي وابن مسعود وطائفةٍ ممن كان بالكوفة من أصحاب رسول الله r. فرضي الله عن الإمامين، فقد صِرنا في وقتٍ لا يقدِرُ الشخص على النطق بالإنصاف. نسأل الله السلامة».

أقول: إن كان السؤال عن فهم كليهما للأحكام التي في كتاب الله، فهما سواء كما ذكر الذهبي. والظاهر أن السؤال عن لغة القرآن، فمالك أعلم بالعربية من أبي حنيفة، وإن كان يلحن. وما وصل أبو حنيفة ولا مالك لمرتبة محمد بن الحسن والشافعي في الفصاحة وإتقان اللغة العربية. ولا يعني تقصير أبي حنيفة في لغة العرب تفضيل غيره في المذاهب، إذ المذهب الحنفي هو مجموع آراء فقهاءه الثلاثة (أبو حنيفة وصاحبيه). ومحمد بن الحسن كان غاية في الفصاحة. قال عنه الشافعي: «ما رأيت أفصح منه. كنت إذا رأيته يقرأ، كأن القرآن نزل بلُغَتِه». و قال أبو عبيد: «ما رأيت أعلم بكتاب الله من محمد بن الحسن».

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير