جواب آخر نقول لو قرأ المأموم سرا والإمام يقرأ الفاتحة لفظ بلفظ بحيث إذا قال الإمام الحمد لله رب العالمين سمعه فأجراه على لسانه سرا الحمد لله رب العالمين حتى ينتهي من الفاتحة كلها مع الإمام فهذا لا يستلزم ترك الاستماع والإنصات، بل وجد الاستماع والإنصات
جواب آخر: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم سكتات عديدة أحدها بعد تكبيرة الإحرام والثانية بعد قراءة الفاتحة والثالثة بعد الفراغ من القراءة، وغير هذه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم وقوفه عند كل آية.
جواب آخر: يتوقف الاستدلال بهذه الآية بنسخ القراءة ومنعها خلف الإمام على أن يكون الخطاب منها للمسلمين حتما وهذا ممنوع وغير مسلم لأن ظاهر نظم القرآن وسياق كلام الله عز وجل يدلان على أن الخطاب فيها للكفار ولا علاقة لها بالمسلمين وذلك لأننا إذا قلنا إن الآية تتعلق بالمسلمين وخوطب بها المأموم فلا يبقى لها ارتباط بما قبلها، ويلزم الانقطاع بين كلام لله عزوجل ويقع الفساد والخلل في نظم القرآن، فلما كان الظاهر من نظم القرآن أن المخاطب بها الكفار فلا يصح الاستدلال بها على نسخ القراءة أو منعها.
قال الرازي في التفسير الكبير: ولناس فيها أقوال:
القول الأول هو قول الحسن وأهل الظاهر أن نجري هذه الآية على عمومها ففي أي موضع قرأ الإنسان القرآن وجب على كل أحد استماعه والسكوت فعلى هذا القول يجب الإنصات لعبري الطريق ومعلمي الصبيان.
القول الثاني إنها نزلت في تحريم الكلام في الصلاة قال أبو هريرة رضي الله عنه كانوا يتكلمون في الصلاة فنزلت هذا الآية وأمروا بالإنصات.
القول الثالث: إنه نزلت في ترك الجهر بالقراءة خلف الإمام قال ابن عباس: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة المكتوبة وقرأ أصحابه ورائه رافعين أصواتهم فخلطوا عليه فنزلت الآية وهو قول أبي حنيفة وأصحابه
القول الرابع: أنها نزلت في السكوت عند الخطبة والصلاة.
القول الخامس أنها خطاب مع الكفار في ابتدا التبليغ وليس خطابا مع المسلمين وهذا قول حسن منا سب ا. هـ مختصرا. ثم استدل لحسن هذا القول الأخير ثم قال: وعند هذا يسقط استدلال الخصوم بهذه الآية من كل الوجوه.
نحن نذكر الآية التي قبلها ثم نذكر تقرير الرازي وأدلته التي استدل بها على صحة القول الخامس حتى يظهر جليا أن المخاطب بالآية هم الكفار لا المسلمون. قال الله تعالى: وإذا لم تأتهم بأية قالوا لولا اجتبيتها قل إنما أتبع ما يوحي إلي من ربي هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يوقنون * وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ".
قال الرازي: وتقديره أن الله تعالى حكى قبل هذه آية أن أقواما من الكفار يطلبون آيات مخصوصة ومعجزات مخصوصة فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأتيهم بها قالوا لولا اجتبيتها فأمر الله رسوله أن يقول جوابا عن كلمهم إنه ليس أن أقترح على ربي وليس لي إلا أن أنتظر الوحي. ثم بين الله تعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ترك الإتيان بتلك المعجزات التي اقترحوها في صحة النبوة، لأن القرآن معجزة تامة كافية في إثبات النبوة وعبر الله عن هذا المعنى بقوله " هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون " ومما يقوي أن حمل الآية على ما ذكرنا أولى الوجوه. 1 - أن الله تعالى حكى عن الكفار أنهم قالوا "لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون "
فلما حكى عنهم ذلك ناسب أن يأمرهم بالسكوت والإنصات. 2 - أن الله تعالى قال قبل هذه الآية " هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون "فحكم تعالى بكون هذا القرآن رحمة للمؤمنين على سبيل القطع والجزم، ثم قال " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون " ولو كان المخاطبون بقوله تعالى " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون " هم المؤمنون لما قال " لعلكم ترحمون " لأنه جزم تعالى قبل هذه الآية بكون القرآن رحمة للمؤمنين قطعا فكيف يقول بعده من غير فصل لعل استماع القرآن يكون رحمة للمؤمنين؟!.أما إذا قلنا: إن المخاطبين بقوله تعالى " فاستمعوا له وأنصتوا " هم الكفار صح حينئذ قوله " لعلكم ترحمون ".
¥