فإذن الذي ينبغي في السيرة أنْ نعتمد على القرآن فيها وما ذكره المفسرون في ذكر معاني الآيات التي فيها سيرة المصطفى ?.
? ثم المصدر الثاني: الأحاديث الصحيحة خاصة في الصحيحين أو ما صح في غيرهما من الأحاديث التي فيه ذكر سيرة النبي ?، فإذا قورنت هذه الأحاديث بما ذكر في كتب السير وجدنا أنّ بعض ما في كتب السير ليس بصحيح، في مثل مثلا تاريخ بعض الغزوات وبعض الأحوال وقصة الإسراء والمعراج، وأشباه ذلك كثير.
فالمصدر الثاني المعتمد بعد كتاب الله جلّ وعلا وتفسيره أنْ ننظر في الأحاديث، وهذه الأحاديث فيها ما لم يذكر في كتاب الله جلّ وعلا واعتمد عليها الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم فيما فسروا من آيات القرآن على نهج السلف في التفسير؛ في تفسير القرآن بالسنة.
فإذن الاعتماد على ما في كتب الصحيح وكتب الحديث من مصادر السير هذا أَوْلى وأبعد عن الخلط وما لا يصح في السير، ولهذا دعا عدد من أهل العلم إلى كتابة صحيح السيرة النبوية، وقد كتب بعض المعاصرين في ذلك لكنهم رقَوا جبلا عاليا عليهم؛ لأنّ هذا الأمر يحتاج إلى علم بالحديث؛ متنا وإسنادا، وإلى علم بالتفسير، وإلى علم باللغة، وإلى علم بما في كتب السنة، وإلى ما في كتب العقيدة، إلى آخر ذلك مما فقده بعض من كتب في ذلك.
? من المصادر أيضا التي تعتمد: كتب السيرة التي ذكرنا وكتب التاريخ، فنجد مثلا أنّ تاريخ ابن جرير يحوي كثيرا من أخبار سيرة المصطفى ? بالأسانيد؛ لكن هذه نأخذ منها ما لا يتعارض مع ما جاء في القرآن وفي تفسيره ومع ما ثبت في سنة المصطفى ?، فإذا لم نجد الحَدَث لا في الكتاب ولا في السنة فإنّ أخذه من كُتُبِ السير لا بأس به؛ لأنّها أرفع درجة بالاتفاق من أحاديث بني إسرائيل، وقد قال لنا عليه الصلاة والسلام «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج»، فإذا لم يكن ما في كتب السيرة معارضًا للكتاب والسنة فإنه لا بأس من أخذه ومن الاعتماد على ما جاء فيه، وهكذا كان أهل العلم، لهذا نرى أنّ ابن كثير رحمه الله في أوائل كتابه ”البداية والنهاية“ كتب سيرة طويلة للنبي عليه الصلاة والسلام أُفردت في أربع مجلدات، وقد جمع فيها ما بين ما ذكره أهل السير وما ذكره أهل الحديث وما جاء في الآيات، ولكنها أيضا تحتاج إلى بعض مزيد من التمحيص.
إذن فهذه هي المصادر العامة للسيرة، وإذا تبيّن ذلك فتلحظ فيما سُقنا أنّ أهل الحديث وأهل الأثر والمعتنون بعلوم سلف الأمة هم الذين اعتنوا بسيرة المصطفى
?، فبعض الناس يقول: إنّ المعتنين بالحديث والأثر والمعتنين بطريقة السلف ليس لهم عناية بالسيرة. وهذا ليس بصحيح، بل إنّ الذين اعتنوا بسيرة المصطفى ? من حيث الإثبات، ومن حيث الانتقاء، من حيث الفقه والدلالة هم أتباع سلف هذه الأمة، وإذا صار هناك قصور ممن اعتنى بالحديث والأثر فإنّ هذا مما ينبغي علاجه؛ لأنّ الاهتمام بالسيرة به يحصل للمرء المؤمن ولطالب العلم أنواع من العلوم والفوائد ما يحصلها إلاّ إذا قرأ السيرة، ويقوم في قلبه الاعتزاز بدين الله والفرح بنصرة هذا الدين في أول الأمر ويقوم في قلبه عظم المحبة للنبي عليه الصلاة والسلام ولأصحابه بما يزيد المؤمن من الإقتداء بهم والسَّيْر على منوالهم.
نجد أنّ أئمة هذه الدعوة كالإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله اعتنى بالسيرة أيضا، فكتب كتابا في سيرة المصطفى ? مطبوع موجود، كذلك ابنه الإمام الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب له كتاب أيضا في سيرة المصطفى ?، وجعلوا في تضاعيف نقلهم للسيرة ذكر الفوائد وخاصة الفوائد الدّعوية، وسيأتينا ذكر تأصيل فيما يتعلق بالفوائد الدّعوية في سيرة المصطفى ?.
إذن فالعناية بالسيرة إثباتا وفقها واستنباطا كان عليه علماؤنا، فالاهتمام بها من سِمَة طلاب العلم الجادين فيه ومن سمة المحبين للخير بعامة، والناس ترقيق قلوبهم وبعث الهمة في نفوسهم وبعث العزة في نفوسهم يكون بطرق صحيحة، ومن ذلك ذِكر قصص السيرة، وذكر ما جرى فيها من حوادث ومن أحكام.
نظر الناس والمؤلفين والدارسين للسيرة متنوع، وهذا ما يمكن أنْ نسميه أو أنْ نعنون له بمدارس تناول السيرة؛ سيرة النبي عليه الصلاة والسلام.
فإنّ سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام تنوّعت المدارس في تناولها وفي التأليف فيها وفي الباعث على الاهتمام بها إلى بضع مدارس:
¥