تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

? فأول تلك المدارس المدرسة اللغوية: وهذه المدرسة اهتم فيها أصحابها بأنْ يتناولوا السيرة بالاهتمام بما في السيرة من لغة صحيحة، فإنّ من نقل السيرة من مثل التابعين ومن مثل ابن إسحاق إنهم نقلوها بلغة صحيحة، وما أوردوا في السيرة من أشعار كثيرة وأخبار وخطب للعرب وحكايات وخطب للصحابة، بل وأقوال في ذلك، هذا كله من جهة اللغة معتمد.

ولهذا اعتنى بسيرة ابن اسحاق ابنُ هشام رحمه الله تعالى وكان لغويًا متمكنا فاعتنى بالأشعار التي أوردها ابن إسحاق، فأورد من الأشعار في ملخصه -المسمى بسيرة ابن هشام- أورد منها ما يتّفق وما لا يؤخذ عليه في إيراده وترك أشياء من ذلك، وأتبعها بشرح غريبها وبالعناية بها.

كذلك سيرة ابن هشام تناولها العلماء الذين اعتنوا بهذا النوع من الاهتمام بالسيرة والاهتمام اللغوي، وتناولوها بالشرح وبالتفصيل، وأصل قصدهم الاعتناء باللغة وقد يضيفون إلى ذلك اعتناءً بجوانب أخرى ممثل الحافظ السهيلي في كتابه ”الروض الأنف“ الذي جعله شرحًا على سيرة ابن هشام فيما أشكل منها، وكالحافظ أبي ذر الخُشني في ”تفسير غريب السيرة“ وكلا الكتابين مطبوع، أما كتاب السُّهيلي فكبير وأما كتاب أبو ذر الخُشني فمجلدة لطيفة.

هذا نوع من الاهتمام، وهذا تجد منه أنّ كثيرين ممن اهتموا بالأدب واهتموا باللغة يعتنون بالسيرة، فينبغي التفريق حين ترى المصنف في السيرة ما تصنيف مصنفه من جهة المدرسة، فإذا علمت أنه لغويٌّ بحَّاثة، وأنّ عنايته باللغة فإنك تبحث فيه ما تحتاجه من ذكر غريب السيرة وما شابه ذلك، فإنّ لهم عناية بهذا تفوق العناية بغيره من علوم السيرة.

الأدباء يهتمون بالسيرة ومن المعاصرين من بلاد شتى من ألف في السيرة، وتجد أنّ أكثرهم أدباء، وذلك لأنّ الاهتمام بالسيرة ديدن الأدباء؛ لأنّ فيه رفعة الحصيلة الأدبية وقوة البلاغة وكثرةَ الشواهد عند المعتني به، فصنف الكثيرون في السيرة متجهين إلى هذا الاتجاه في تقوية الأسلوب الأدبي، ونقل السيرة على هيئة أسلوب أدبي رفيع يقوي ملكة الأديب أو دارس الأدب في هذا الباب، وهذه المدرسة لها تفاصيل وحديث يطول ذكره في ذكر حسناتها والمآخذ عليها.

?النوع الثاني من المدارس في تناول السيرة مدرسة القوميين: فإنّ المعتنين بالعرب والآخذين بالتعصب للعربية للعرب وللعرق العربي رأَوا فوجدوا أنّ أمجاد -كما يزعمون- من قبلهم كُتبت سيرهم، وأنّ مجد العرب لم يبتدئ بالإجماع إلا بمحمد عليه الصلاة والسلام فبه رفعت العرب رأسها ورفعت العرب شأوها، كما قال جلّ وعلا ?وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ? [الزخرف:44]، وهذا لأنّ به رفع منار العرب.

فتناولوا السيرة وكتبوا فيها من جهة أنّ كل الأمم المتحضرة كاليونان وفارس والروم إلى آخره، لهم في ذكر عظمائهم سيرٌ صيغت بالصيغة الأدبية، وكان المقصد منها تمجيد هذا العرق، فتناول السيرة عدد من المعاصرين ومن المتقدمين لرفع العرق العربي ولرفع العرب عمن سواهم.

وهذه فيها مدارس مختلفة من مثل مدرسة طه حسين ومن نحا نحوه ممن كتبوا في السيرة، فإنّهم لم يكتبوا في السيرة لنصرة دين محمد عليه الصلاة والسلام، وإنما كتبوا في السيرة بالنظر إلى عرقية عربية، بل إنّه كما ذكر مثل طه حسين في مقدمة كتابه ”على هامش السيرة“ ذكر أنّ السيرة هذه التي كتبها فيها أشياء لا يقبلها العقل ولا يقبلها الفؤاد؛ لكن لا تصلح حياة الناس إلاّ بنوع من الخرافات ونوع من الأحاديث التي تكون لهم كالاسترواح وتكون لهم كالمُريح والمهيِّئ لهم لسماع الحق يعني أنها قصص وحكايات ليس لها أصل وليس لها أهمية، ذكر في مقدمة كتابه أنه بعثه على ذلك -على هذا التأليف- أنه وجد لليونان إلياذة ولهم أمجاد، وللفرس أمجاد فيما صنفوا في تاريخ عظمائهم، ورأى أنه لابد من التصنيف في هذا والكتابة فيه فكتب ذلك.

إذن فالنظر في تأليف المؤلف ينبغي أنْ يسبقه تصنيف مدرسته؛ هو من أي مدرسة في السيرة، فإنه لو قرأ الناس كتابًا من كتب أصحاب المدرسة القومية في السيرة لأصابهم نوع من الخلل في فهم سيرة المصطفى ?، بل وربما لم يؤمنوا بمعجزاته عليه الصلاة والسلام وبآياته وبراهينه على اعتبار أنها حكايات وأنه ليس لها رصيد من الصحة والواقع وإنما هكذا قيل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير