تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إذن فلابدّ من عرض ما يتحصل عليه الدارس للسيرة -إذا لم يكن طالب علم ولم يكن عالما- يعرضه على أهل العلم هل ما استنتجه صحيح أم لا؟ هل العلم يوافق هذا الاستنتاج أم لا؟ سواء كان في مسائل العقيدة، أم في مسائل السنة والبدعة، أم في مسائل الحديث الصحيح والضعيف، أم في مسائل الفقه والأحكام، أم في مسائل الدعوة؛ لأننا لن نُقيم الدين ولن نقوم بقوة في الدعوة إلاّ بعد أنْ نُصَفِّيَ منهجنا في الأخذ والاستدلال، فإذا كان المنهج في المرجعية والأخذ والاستدلال واضحا قويا واجتمعت الأمة واجتمع الدعاة واجتمع المهتمون بالإسلام والداعون إليه على نهج سواء وسط واضح؛ لأنّ المصادر وكلام المحققين من أهل العلم واحد في ذلك لا يختلف؛ يعني في أصول هذه الشريعة وأصول الأدلة في العقائد وفي الأحكام وفي الدروس والعبر والعظات.

إذا تبين لك ذلك فأَغْرَبُ منه أنْ نجد أنّ بعض المناوئين للشريعة وأعداء الملة والدين من العلمانيّن ومن الاشتراكيّين وأشباه هؤلاء وجدوا في بعض نصوص السيرة ما يستدلون به على نحلهم وما يؤيد ما ذهبوا إليه:

فأهل الاشتراكية استدلوا على اشتراكيتهم بإباحة المال للجميع، وحتى إباحة النساء للجميع، بقصة مؤاخاة النبي ? بين المهاجرين والأنصار، حتى إنّ الرجل كان يرث أخاه لا من النسب ولكن الذي آخاه النبي ? معه في الدين فورث بعضهم من بعض حتى نزل قول الله جلّ وعلا ?وَأُوْلُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ? () فاستدلوا على اشتراكهم في المال، وعلى تنازل بعضهم عن زوجته لأخيه لو رغب، بأنّ هذا أصل من أصول الاشتراكية التي دعا إليها النبي ?، واستدل بعضهم بوجود اشتراك النساء في الحرب مع الصحابة من جهة التمريض أو جلب الماء أو نحو ذلك، بأنّ هذا أصل بالقول بجواز الاختلاط المحرّم، وأنّ المرأة تعمل مع الرجل في أي ميدان لا بأس بذلك في ميدان الطب أو التمريض أو في غير ذلك، وجدوا في بعض الحوادث مدخلا لهذا، وكلٌّ أخذ بحادث وتفقه فيه وأصبح فقيها وإنْ كان ليس له من تحقيق الإسلام نصيب.

إذن السيرة هي قصص وأخبار وحكايات فلا يسوغ الاستدلال بما جاء فيها مطلقا حتى يكون ذلك الدليل صحيحا من جهة ثبوته، ثم يُنظر في وجه الاستدلال.

إذا وصلنا إلى هذا وهناك فقرات أطويها لضيق الوقت، وفي الحقيقة الموضوع مهم يحتاج إلى مزيد بيان، لكن نخلص إلى خاتمة المطاف، وذلك بذكر موضوع هذه المحاضرة وتلخيص ما سبق بمعرفة الضوابط التي يجب أنْ نأخذ بها في تلقي السيرة وفي الاستدلال والفهم

فأول هذه الضوابط:

أنّ ترتب قوة مصادر السيرة على ثلاث مراتب:

1 - المرتبة الأولى: فهي للقرآن العظيم فما دل عليه القرآن فهو مقدَّم على غيره.

2 - [المرتبة الثانية]: ثم سنة النبي ? وهي مبينة وموضحة لما في القرآن، والسنة نعني بها ما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام، سواء كان من أحاديث الآحاد أم من الأحاديث المتواترة وسواء صح سنده لذاته أو لغيره سواء حسن سنده لذاته أو لغيره، فإذا ثبت الحديث فإنه يؤخذ به في السيرة ويكون مقدَّما على غيره.

ويليه الأخذ بتفاسير أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم في آي القرآن أو بعض أحاديث السنة فإنهم في الغالب فسروا القرآن بعلمهم بسنة المصطفى ?.

3 - المرتبة الثالثة: ما جاء في كتب السير، وإذا وجدنا في كتب السير ما لا يتعارض مع الكتاب والسنة فإنّ لنا أنْ نأخذه وأنْ نقول بما فيه دون تردد؛ لأنّه لا يخالف الكتاب والسنة سيما إذا اعتضد باتفاق العلماء عليه أو بجريانهم عليه، فإنه لا حرج علينا في ذلك إذْ كما قال بعض أهل العلم: السير بلا شك أرفع درجة وأقوى ثبوتا من أحاديث بني إسرائيل. والنبي ? رخص لنا في الحديث عن بني إسرائيل وقال: «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» وبنوا إسرائيل لا نصدقهم ولا نكذبهم، وأما ما روى في السير مما لا يصادم نصًّا من القرآن أو من سنة العدنان عليه الصلاة والسلام فإنه لا بأس من القول به والأخذ به؛ لأنّ العلماء تتابعوا على قَبول ما فيها إذا لم يعارض ما جاء في الكتاب والسنة في الأصول وفي الفروع وفي السير. هذا هو الضابط الأول.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير