تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الضابط الثاني في فهم السيرة وقراءة السيرة والنظر فيها: أنّ السيرة يُستفاد منها في أنواعٍ من الفوائد الدعوية والإيمانية والعلمية فينبغي لمن يقرأ السيرة أو يذكر ما فيها أنّ ينتبه لإنزال كل مسألة منزلة، فإذا كان إيراد القصة وحكاية الغزوة أو ما حدث للنبي عليه الصلاة والسلام ولأصحابه المقصود منه تقوية ما في القلوب من الإيمان ومحبة النبي عليه الصلاة والسلام وتقوية العزة في قلوب أهل الإيمان وفي قلوب الناشئة وربطهم بسيرة المصطفى ? فإنه لا بأس بذلك، ويؤخذ على هذا القدر، ناظرا إلى الضابط الأول الذي ذكرناه، ثم إذا وجد في السيرة ما يخالف ما أفتى به أهل العلم سواء في التوحيد أو في تفسير القرآن أو في السنة أو ما أشبه ذلك أو في الدعوة أو في الأحكام الفقهية فإنه لابدّ له من البيان؛ لأنّ إيراد القصة مع إيراد مشكل فيها من جهة الشرع أو ما هو منكر فيها من جهة الشرع والسكوت على ذلك لا يسوغ إذ هو نوعٌ من تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه، وهذا ربما وقع في أنواع من الإلباس.

الجهة الثانية من هذا الضابط: الاهتمام بالجوانب الفقهية والعلمية في السيرة؛ بأنْ ينظر إليها نظر علمي؛ يعني ينظر إليها طلبة العلم لا على أنها رواية وقصة وحكاية وهكذا بل إنما يأخذها مستفيد مما جاء فيها من جهة الأحكام.

فخذ مثلا قصة الحديبية وغزوة الحديبية، بل فتح الحديبية فإنّ ابن القيم رحمه الله أخذ في ذكر الفوائد من هذا الحدث الفوائد الفقهية في العبادات وفي المعاملات بل وفي أمور تتعلق بالدول وتتعلق بولاة الأمر وتتعلق بالملوك وتتعلق بالأحوال ما تَعجبُ منه، وهذا لا شك أنه من النظر الفقهي العظيم الذي ينبغي أنْ يتحلّى به طالب العلم.

الضابط الثالث من ضوابط النظر في السيرة: أنّ سيرة النبي عليه الصلاة والسلام كانت صراعا بين التوحيد وبين الشرك، وسيرته عليه الصلاة والسلام لم تكن سيرة قائد حزب ولا ممثل لفئة ولا طالب دولة ولا أشباه ذلك، وإنما كانت صراعا في مسألة عظيمة، بل أعظم المسائل، بل أعظم المطالب وهو توحيد الله جلّ وعلا، ولهذا ترى أنّ المحققين من أهل العلم ممن انتبهوا لعظم شأن الدعوة للتوحيد كابن تيمية وابن القيم والإمام محمد بن عبد الوهاب ومن بعده، نظروا إلى تلك السيرة وتلك الأحداث ونزّلوها على المعركة بين التوحيد وبين الشرك، وهذا أعظم ما يكون من الصواب في الاستدلال؛ لأنها واقعة، وإذا كان في يوم ما عادت الكرة للشرك ولأهله فَاندَرَسَت معالم التوحيد فإنّ ظهور أثر السيرة في ذلك وظهور معالم السيرة عند الناظر فيها في الفرقان ما بين أهل الشرك وأهل الإيمان ظاهر بيِّن، لهذا من رأى كتاب السيرة للشيخ محمد بن عبد الوهاب وكتاب السيرة لعبد الله بن الشيخ رحمهما الله تعالى نظر إلى أنه مستفاد من جهة المعركة بين التوحيد وبين الشرك، وهذا استدلال صحيح في مكانه؛ لأنّه قائم على الاستدلال بالمطابقة فإنها هي حقيقة ما كان ما بين النبي عليه الصلاة والسلام وما بين أصحابه.، والناس ممن نظروا في السيرة مجمعون على هذا وأنّ المعركة ما بين داع إلى الله جلّ وعلا بل سيّد الدعاة إلى الله جلّ وعلا بل سيِّد المرسلين عليه الصلاة والسلام وبين المشركين الكفار المعاندين لله جلّ وعلا ولرسله عليهم صلوات الله وسلامه، والله جلّ وعلا قال لنا عن نبيه ?قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ? [يوسف:108]، وبيَّن جلّ وعلا أن المراد من القصص العبرة، فقال جلّ وعلا ?لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى? [يوسف:111]، وهذا واضح معلوم في صنيع أهل العلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير