القول الثاني: أن اللعن يجوز في حق الكافر دون الفاسق. وممن ذهب الى هذ القاضي أبو يعلى قال: (من حكمنا بكفرهم من المتأولين وغيرهم فجائز لعنتهم نص عليه (أي أحمد) وذكر أنه قاال في (اللفظية) على من جاء بهذا لعنة الله عليه، عضب الله عليه وذكر أنه قال عن قوم معينين: هتك الله الخبيث وعن قوم أخزاه الله). [نقله ابن مفلح في الآداب الشرعية ج1ص271]
القول الثالث:
أن اللعن جائز مطلقا، وهو قول ابن الجوزي قال في لعنة يزيد: " أجازها العلماء الورعون منهم أحمد ابن حنبل " [الآداب الشرعية لابن مفلح ج1 ص369] قال شيخ الإسلام رحمه الله: وأما أبو الفرج فله كتاب في اباحة لعنة يزيد رد فيه على الشيخ عبدالمغيث الحربي. أهـ
وسبب ختلاف العلماء رحمهم الله هنا أن حكم لعن المعين يتجاذبه نوعان من الأدلة نوع دل على إباحة اللعن بالكفر والفسق والإبتداع والأفعال الموجبة لكل واحد من هذه الأوصاف.
ونوع دل على تحريم العن ومافيه من الوعيد الشديد كقوله صلى اللله عليه وسلم: (، اللعانين لايكونون شهداء ولاشفعاء يوم القيامة) .....
ومن قال بعدم الجواز ذهب أن نصوص التحريم وماجاء فيه من الوعيد أنها في حق المعين وأن نصوص الإباحة في غير حق المعين.
ومن قال بالجواز ذهب الى أن نصوص الإباحة جاءت في حق مستحق اللعن من المعين وغيرالمعين , وأن نصوص التحريم في حق من لايستحق اللعن.
ومن فرق بين لعن الكافر والمسلم نظر ال أصل معنى اللعن الذي هو الطرد والإبعاد من الرحمة فرأى أن المسلم لايستحق اللعن إذ ترجى له المغفرة والرحمة وإنما يستحق ذلك الكافر والمبعد عنها.
وفي الحقيقة إن المسألة اجتهادية والخلاف فها سائغ، إذا الأقوال فيها كلها مروية عن السلف، غير أن الذي يترجح من الأقوال هو القول الثالث , وهو القول بجوزا لعن المعين إذا كان مستحقا لذلك سواء كان كافرا أو مسما فإن هذا القول هو الذي تعضده الأدلة في مجموعها وتناصره أقوال الأئمة وأفعالهم.
وترجيحه من وجهين:
الوجه الأول: دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم (الله إني اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه، فإنما أنا بشر فأي المؤمنين آذيته، شتمته، لعنته، جلدته، فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بهاا ليك يوم القيامة)
وفي رواية أخرى من طريق صحيح مسلم أيضا: (إني اشترطت على ربي فقلت: إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر، فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهورا , وزكاة وقربة، يقربه منه بها يوم القيامة)
فدل الحديثان على وقوع اللعن من النبي صلى الله عليه وسلم لبعض المعينين من المسلمين تعزيرا لهم، وأن ذلك اللعن وقع منه صلى الله عليه وسلم بالإجتهاد، لابالوحي بدليل قوله (إنما أنا بشر) وقوله (ليس لها بأهل) وهذا مما يدفع النقض على الدليل من أن اللعن إنما وقع منه بنص وليس لنا أن نلعن إلا نبص.
كما أن دعاءه صلى الله عليه وسلم لمن دعا عليه أو لعنهم من المعينين لايفهم منه رفع اللعنة عنهم إن كانوا مستوجبين لذلك بدليل قوله: (ليس لها بأهل) مما يدل على بقاء الحكم دون النسخ.
فترجح بذلك جواز لعن من دلت النصوص على اللعن بفعله من المعينين المسلمين اجتهادا إذا تحققت فيه الشروط الموجبة لذلك , وانتفت فيه الموانع المانعة من لعنه، وثبوت ذلك في الكافر من باب أولى.
الوجه الثاني: أن القول بجوزا لعن مستحقي اللعنة من العينين هو ظاهر مذهب عامة السلف على ما دلت عليه أفعالهم بمباشرتهم لعن بعض المعينين المستوجبين اللعن أئمة أهل البدع والضلال , وكما ثبت ذلك بالنقل الصحيح عنهم.
روى نصر المقدسي عن عبدالرحمن بن مهدي قال: (دخلت على مالك بن أنس رضي الله عنه وعنده رجل يسأله عن القرآن والقدر، فقال: لعلك من أصحاب عمرو بن عبيد، لعن الله عمروا فإنه ابتدع هذه البدعة من الكلام [مختصر الحجة على تارج المحجة لأبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي]
¥