وغض البصر وحفظه من أعظم الأدوية لعلاج أمراض القلب، وفيه حسم لمادة المرض قبل حصوله، فإن النظر سهم مسموم من سهام إبليس، ومن أطلق لحظاته دامت حسراته.
كل الحوادث مبداها من النظر ... ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها ... فتك السهام بلا قوس ولا وتر
فحفظ البصر وغضه واجب على المسلم بصريح أمر القرآن، والتساهل في غض البصر وإطلاق العنان للنظر المحرم لا يجوز "إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً" [الإسراء:36]، وقد ذكر ابن القيم –رحمه الله- كلاماً جميلاً مفيداً في فوائد غض البصر في (الجواب الشافي وفي روضة المحبين)، كما ذكر جماعة من المفسرين فوائد أخرى (راجعها عند تفسير آية النور المتقدمة).
والذي ينبغي أن يعلمه السائل وغيره أن الحكم في النظر يختلف بحسب ما يترتب عليه من الآثار وما يجر إليه من المفاسد، فليست النظرة العابرة مثل مداومة النظر وتكراره والتلذذ به والحرص عليه، لذلك قال الحسن بن الفضل في تفسير (اللمم) الوارد في قوله –سبحانه-: "الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم .. " [النجم:32] قال: اللمم: النظر من غير تعمد فهو مغفور، فإن أعاد النظر فليس بلمم، وهو ذنب.
وقد اختلف أهل العلم في تفسير (اللمم)، الوارد في الآية فاختار جماعة من السلف أنه الإلمام بالذنب مرة ثم لا يعود إليه وإن كان كبيراً، والجمهور على أن اللمم ما دون الكبائر، قال الشيخ/عبدالرحمن السعدي –رحمه الله-، في تفسيره عن هذه الآية:" الصغائر، التي لا يصر صاحبها عليها، أو التي يلم بها العبد المرة بعد المرة على وجه الندرة والقلة" فانتبه –حفظك الله- إلى قوله: "لا يصر صاحبها عليها"، فإن الصغيرة لا تكون صغيرة مع الإصرار، كما أن لا كبيرة مع الاستغفار.
وكما اختلف أهل العلم في المراد باللمم اختلفوا في الكبائر، ما هي؟ واختلافهم ليس اختلاف تباين وتضاد بل أقوالهم متقاربة، والصواب في ذلك –إن شاء الله- أن المراد بالكبائر: الذنوب العظيمة كالزنا، وأكل الربا، والقتل، وأنه ليس لها عدد محصور، وقد يصح ضبطها، بما قاله بعض السلف: إنها ما تعلق به حد في الدنيا، أو عذاب، أو وعيد في الآخرة، وأنقل هنا للأخ السائل –وفقه الله- وغيره كلاماً نفيساً لابن القيم –رحمه الله- بعد أن ذكر آراء العلماء في المراد بالكبائر، قال: "وهاهنا أمر ينبغي التفطن له، وهو أن الكبيرة قد يقترن بها من الحياء والخوف، والاستعظام لها ما يلحقها بالصغائر، وقد يقترن بالصغيرة من قلة الحياء وعدم المبالاة، وترك الخوف، والاستهانة بها ما يلحقها بالكبائر، بل يجعلها في أعلى رتبها.
وهذا أمر مرجعه إلى ما يقوم بالقلب، وهو قدر زائد على مجرد الفعل، والإنسان يعرف ذلك من نفسه ومن غيره" ا هـ. وهذا الكلام واضح ومفيد لكل من نور الله بصيرته.
وعلى هذا فإن النظر إلى الصور الخليعة الماجنة، العارية وشبه العارية، سواء كان ذلك في التلفاز أو الإنترنت أو غيرهما مع ما يصحب ذلك من قلة الحياء، وعدم المبالاة، وضعف الدين، وعدم الخوف من الله، والاستهانة بهذه المعاصي لا شك أن ذلك يلحقها بالكبائر، بل يجعلها في أعلى رتبها، وإن كان النظر المجرد في أصله ليس كبيرة، نسأل الله أن يعصمنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يهدي قلوبنا ويصلح أعمالنا وأحوالنا، وأن يجعل أمرنا إلى خير إنه سميع قريب مجيب، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المجيب: الشيخ / عبد الله بن عمر السحيباني
http://www.islamtoday.net/questions/show_question_*******.cfm?id=7207 (http://www.islamtoday.net/questions/show_question_*******.cfm?id=7207)
ـ[أبو سالم الشمري]ــــــــ[25 - 02 - 07, 04:43 ص]ـ
الشيخ الفاضل [أبو عبد الله السبيعي] / ما زلت والقراء الأعزاء في انتظار جوابكم الموفق على السؤال الوراد في ردي الأخير رقم [20] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showpost.php?p=543683&postcount=20) السابق لهذه الفتاوى.
وجزاكم الله خيراً وحفظكم من كل شر وسوء.
ـ[ابو عبدالله السبيعي]ــــــــ[26 - 02 - 07, 05:28 م]ـ
اخي الحبيب ابا سالم _احبك الله الذي احببتني فيه
ما ذكرته في جوابك ايها الحبيب هو على شطرين: فأما الاول فهو فيمن لم يستطع مقاومة نفسه ......
¥