تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ودماغه مطمئن بالإيمان.

وقال تعالى (قالت الأعراب أمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) ولم يقل في أدمغتكم – وقال تعالى (أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه) فقوله ولما يدخل الإيمان في قلوبكم، وقوله كتب في قلوبهم الإيمان، صريح في أن المحل الذي يدخله الإيمان في المؤمن وينتفي عنه دخوله في الكافر إنما هو القلب لا الدماغ، وأساس الإيمان إيمان القلب لأن الجوارح كلها تبع له كما قال صلى الله عليه وسلم (إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب) فظهر بذلك دلالة الآيتين المذكورتين على أن المصدر الأول للإيمان القلب فإذا آمن القلب آمنت الجوارح بفعل المأمورات وترك المنهيات لأن القلب أمير البدن، وذلك يدل دلالة واضحة على أن القلب ما كان كذلك إلا لأنه محل العقل الذي به الإدراك والفهم كما ترى.

وقال تعالى ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) الآية، فأسند الإثم بكتم الشهادة للقلب ولم يسنده للدماغ، وذلك يدل على أن كتم الشهادة الذي هو سبب الإثم واقع عن عمد وأن محل ذلك العمد القلب وذلك لأنه محل العقل الذي يحصل به الإدراك وقصد الطاعة وقصد المعصية كما ترى. وقال تعالى في حفصة وعائشة رضي الله عنهما (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما) أي مالت قلوبكما إلى أمر تعلمان أنه صلى الله عليه وسلم يكرهه، سواء قلنا أنه تحريم شرب العسل الذي كانت تسقيه إياه إحدى نسائه، أو قلنا أنه تحريمه جاريته ماريه، فقوله صغت قلوبكما أي مالت يدل على أن الإدراك وقصد الميل المذكور محله القلب، ولو كان الدماغ، لقال فقد صغت أدمغتكما كما ترى ولما ذكر كل من اليهود والمشركين أن محل عقولهم هو قلوبهم قررهم الله على ذلك لأن كون القلب محل العقل حق، وأبطل دعواهم من جهة أخرى وذلك يدل بإيضاح على أن محل العقل القلب أما اليهود لعنهم الله، فقد ذكر الله ذلك بمنعهم في قوله تعالى (وقالوا قلوبنا غلف) فقال تعالى (بل طبع الله عليها بكفرهم) فقولهم قلوبنا غلف بسكون اللام يعنون أن عليها غلافاً أي غشاءً

يمنعها من فهم ما تقول، فقررهم الله على أن قلوبهم هي محل الفهم والإدراك لأنها محل العقل ولكن كذبهم في ادعائهم أن عليها غلافاً مانعاً من الفهم، فقال على سبيل المثال الإضراب الابطالي (بل طبع الله عليها بكفرهم) الآية أما على قراءة ابن عباس قلوبنا غلف بضمتين يعنون أن قلوبهم كأنها غلاف محشو بالعلوم والمعارف فلا حاجة لنا إلى ما تدعوننا إليه، وذلك يدل على علمهم بأن محل العلم والفهم القلوب لا الأدمغة ... وأما المشركون فقد ذكر الله ذلك عنهم في قوله تعالى .. (وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعون إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب) الآية، فكانوا عالمين بأن محل العقل القلب ولذا قالوا قلوبنا في أكنه مما تدعونا إليه، ولم يقولوا أدمغتنا في أكنه مما تدعونا إليه، والله لم يكذبهم في ذلك ولكنه وبخهم على كفرهم بقوله (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين) الآية. وهذه الآيات التي أطلق فيها القلب مراداً به العقل لأن القلب هو محله، أوضح الله المراد منها بقوله (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها) فصرح بأنهم يعقلون بالقلوب وهو يدل على أن محل العقل القلب دلالة لا مطعن فيها كما ترى – وقال تعالى (إن يشأ الله يختم على قلبك) ولم يقل يختم على دماغك – وقال تعالى (قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به) الآية، ولم يقل وختم على أدمغتكم وقال تعالى في النحل (أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون) الآية، وقال تعالى (أولئك الذين أمتحن الله قلوبهم للتقوى) الآية ولم يقل أمتحن أدمغتهم. وقال تعالى (ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم) الآية والآيات بمثل هذا كثيرة، ولنكتف منها بما ذكرنا خشية الإطالة المملة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير