وفي الشرع يقولون: التزم بأحكام الملة، والتزم بالديَن، والتزم بالنذر، ويقال: الكفيل يلتزم بإحضار مكفوله، والضامن يلتزم بالضمان، والتزم بالعهد ... وكلها في أمور معنوية يراد بها تحمل الذمة لما ذكر.
وفي العرف العام يقولون: التزم الصحة في كتابه، والتزم ذكر الإسناد، والتزم بشروط التأليف ..
وعلى كل فإن لم يكن غالب استعمال لفظ الالتزام للمعنويات والأمور الباطنة فلا أقل من أن يكون شاملاً للأمرين، وإذا كان كذلك فكيف يمكن الحكم على أمر بعض أجزائه خفي لا يمكن الاطلاع عليه.
رابعا: من المحاذير التي ترتبت على هذا الاسم ما يلي:
1 / أنه يفصل بين المسلمين ويفرق بينهم مع أن المسلمين جماعة واحدة لا تحزب فيها ولا تجمع ولا طوائف ولا فرق إلا من خالف الجماعة ببدعة فهو الشاذ ويسمى ببدعته تحذيرا منه ومن بدعته، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة واحدة مع اختلافهم في الفضل فالخلفاء الأربعة والمبشرون بالجنة وأهل بدر وأهل بيعة الرضوان ومن أقام عليه النبي صلى الله عليه وسلم حد الزنا وحد شرب الخمر وحد السرقة وحد القذف كلهم يسمون صحابة ومسلمون ولم يوجد تفريق بين من اشتهر بالعبادة والعلم وبين عامة الصحابة رضي الله عنهم.
قال ابن تيمية _ رحمه الله _ في بيان تلبيس الجهمية (1/ 244): (والناس منذ بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم ثلاثة أصناف إما كافر معلن وإما منافق مستتر وإما مؤمن موافق ظاهرا و باطنا كما ذكر الله تعالى هذه الأصناف الثلاثة في أول سورة البقرة وحينئذ فالواجب أن يكون الرجل مع المؤمنين باطنا وظاهرا وكل قول أو عمل تنازع الناس فيه رده إلى الكتاب والسنة ولا يجوز وضع طائفة بعينها يوالي من والته ويعادي من عادته لا أخص من المؤمنين لو كانت أسماؤهم للتعريف المحض كالمالكية والشافعية والحنبلية أو غير ذلك ولا أعم من ذلك مما يدخل فيه المسلم والكافر كجنس النظر والعقل أو العبادة المطلقة ونحو ذلك ولا يجوز تعليق الحب والبغض والموالاة والمعاداة إلا بالأسماء الشرعية وأما أسماء التعريف كالأنساب والقبائل فيجوز أن يعرف بها ما دلت عليه ثم ينظر في موافقته للشرع ومخالفته له)
2 / أنه يقلل من القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذ ينبني عليه أن (الملتزم) هو من يعرف عنه القيام بذلك ويقبل منه وربما يستغرب ويستنكر أن يصدر من غيره ولا شك ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب كفائي على كل الأمة ويتعين على من قدر عليه أو حضره دون تفريق بين مسلم ومسلم.
3 / أن في هذا الاسم تزيكة للنفس وقد ثبت النهي عن ذلك كما في قوله تعالى: {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى}
قال ابن جرير (11/ 252): (لا تشهدوا لأنفسكم بأنها زكية بريئة من الذنوب والمعاصي)
قال الحسن _ رحمه الله _: (علم الله من كل نفس ما هي صانعة وإلى ما هي صائرة فلا تزكوا أنفسكم لا تبرؤوها عن الآثام ولا تمدحوها بحسن أعمالها) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (7/ 234)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " كانت جويرية اسمها برة فحول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اسمها جويرية وكان يكره أن يقال خرج من عند برة " رواه مسلم
عن محمد بن عمرو بن عطاء قال سميت ابنتي برة فقالت لي زينب بنت أبي سلمة إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نهى عن هذا الاسم وسميت برة فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم " فقالوا: بم نسميها؟ قال: " سموها زينب " رواه مسلم
وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: أثنى رجل على رجل عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فقال: " ويلك قطعت عنق صاحبك قطعت عنق صاحبك ". مرارا ثم قال: " من كان منكم مادحا أخاه لا محالة فليقل أحسب فلانا والله حسيبه ولا أزكي على الله أحدا أحسبه كذا وكذا إن كان يعلم ذلك منه "
¥