وهنا مسألة ينبغى التنبه لها؛ ألا وهي أن مرتبة الصحبة تتفاضل فهي على طبقات كما قال الإمام أحمد رحمه الله بعد أن ذكر العشرة والمهاجرين والأنصار ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم القرن الذي بعث فيهم كل من صحبة سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة أو رآه فهو من أصحابه له من الصحبة على قدر ما صحبه , وكانت سابقته معه وسمع منه ونظر إليه نظرة فأدناهم صحبة هو أفضل من القرن الذين لم يروه ولو لقوا الله بجميع الأعمال.
فنح المغيث (3
96)
وقال ابن الجوزي رحمه الله: فصل الخطاب في هذا الباب أن الصحبة إذا أطلقت فهي في المتعارف تنقسم إلى قسمين:
أحدهما: أن يكون الصاحب معاشرا مخالطا كثير الصحبة فيقال هذا صاحب فلان كما يقال خادمه لمن تكررت خدمته لا لمن خدمه يوما أو ساعة.
الثاني: أن يكون صاحبه في مجالسة أو ممشاه ولو ساعة فحقيقة الصحبة موجودة في حقه وإن لم يشتهر.
تلقيح مفهوم أهل الأثر (101)
فأفضل الصحابة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم سائر العشرة ثم أهل بدر ثم أهل بيعة الرضوان ثم باقي الصحابة كل له الفضل والمدح بقدر ما له من صحبة النبي صلى الله عليه وسلم.
إذا فهم المسلم هذه النقطة سهل عليه فهم كثير من أقوال العلماء التي يستدل بها المخالف.
فهناك صحبة خاصة تطلق على المقربين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين صحبوه ونصروه ولازموه.
وهناك صحبة عامة يدخل فيها من آمن به ورآه وفارقه من قريب أو لم يتسن له نصرته لتأخر إسلامه , والمخالف يعترف بمسمى هذه الصحبة الخاصة إلا أنه يناقض نفسه عند التطبيق.
ولذلك قال شيخ الإسلام:ومما يبين أن الصحبة فيها خصوص وعموم كالولاية والمحبة والإيمان وغير ذلك من الصفات التي يتفاضل فيها الناس في قدرها ونوعها وصفتها ما أخرجاه في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء فسبه خالد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا أحدا من أصحابي؛ فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه. انفرد مسلم بذكر خالد وعبد الرحمن دون البخاري.
فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول لخالد ونحوه: لا تسبوا أصحابي- يعني عبد الرحمن بن عوف وأمثاله- لأن عبد الرحمن ونحوه هم السابقون الأولون ,وهم الذين أسلموا قبل الفتح وقاتلوا , وهم أهل بيعة الرضوان؛فهؤلاء أفضل وأخص بصحبته ممن أسلم بعد بيعة الرضوان وهم الذين أسلموا بعد الحديبية وبعد مصالحة النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة ومنهم خالد وعمرو بن العاص وعثمان بن أبي طلحة وأمثالهم.
وهؤلاء أسبق من الذين تأخر إسلامهم إلى أن فتحت مكة وسموا الطلقاء مثل سهيل بن عمرو والحارث بن هشام وأبي سفيان بن حرب وابنيه يزيد ومعاوية وأبي سفيان بن الحارث وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية وغيرهم مع أنه قد يكون في هؤلاء من برز بعلمه على بعض من تقدمه كثيرا كالحارث بن هشام وأبي سفيان بن الحارث وسهيل بن عمرو وعلى بعض من أسلم قبلهم ممن أسلم قبل الفتح وقاتل , وكما برز عمر بن الخطاب على أكثر الذين أسلموا قبله.
والمقصود هنا أنه نهى لمن صحبه آخرا يسب من صحبه أولا لامتيازهم عنهم في الصحبة بما لا يمكن أن يشركهم فيه حتى قال: لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه.
فإذا كان هذا حال الذين أسلموا من بعد الفتح وقاتلوا وهم من أصحابه التابعين للسابقين مع من أسلم من قبل الفتح وقاتل وهم أصحابه السابقون؛ فكيف يكون حال من ليس من أصحابه بحال مع أصحابه.
منهاج السنة (8
433)
ومن تدليسه:
1 - نسب هذا القول الذي ذهب به إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع أن عمر رضي الله عنه على خلافه
¥