حاول المخالف أن يستدل بآيات من القرآن الكريم على قصور الصحبة على المهاجرين والأنصار , وإخراج من أسلم بعد صلح الحديبية من ثناء الله تعالى.
وللجواب على ذلك نقول:
1 - إن القرآن نزل بلغة العرب كما قال تعالى: {بلسان عربي مبين} ومفهوم الصحبة في لغة العرب تطلق على من طالت ملازمته وعلى من لم تطل وتطلق أيضا على المخالف والعدو ويفهم ذلك من السياق.
فلا يفهم المسلم إذا قرأ قوله تعالى: {وما صاحبكم بمجنون} أنه يقتضي ثناء على الكفار كما أنه يفهم من قوله تعالى: {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} أنه مقام مدح وثناء ,وكذلك يفهم من جميع الآيات التي فيها ثناء على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على العموم أنه مقام ثناء وتزكية ومدح , ولا يخرج منهم إلا ما دل عليه الدليل كما في قوله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يصعد الثنية ثنية المرار فإنه يحط عنه ما حط عن بني إسرائيل.
قال:فكان أول من صعدها خيلنا خيل بني الخزرج ثم تتام الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وكلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر.فأتيناه فقلنا له: تعال يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: والله لأن أجد ضالتي أحب إلي من أن يستغفر لي صاحبكم قال:وكان الرجل ينشد ضالة له.
مسلم (2780)
2 - وهنا مسألةثانية ألا وهي أن الهجرة من مكة إلى المدينة لم تتوقف على الراجح من أقوال العلماء إلا بفتح مكة فكل من أسلم وهاجر وتمكن من ذلك فهو من المهاجرين , وإن كانت الهجرة تتفاوت فمن هاجر في بداية الدعوة أعظم أجرا ممن هاجر بعد كما قدمناه في بيان تفاوت الصحبة.
قال ابن عبد البر في كتابه التمهيد (2
218) بعد أن ذكر حديث بريدة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميرا على سرية أو جيش أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال اغزوا بسم الله وفي سبيل الله تقاتلون من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى احدى ثلاث خصال ....
قال أبو عمر: هذا من أحسن حديث يروى في معناه إلا أن فيه التحول عن الدار وذلك منسوخ؛ نسخه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله لا هجرة بعد الفتح ,وإنما كان هذا منه صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة فلما فتح الله عليه مكة قال لهم: قد انقطعت الهجرة ولكن جهاد ونية إلى يوم القيامة.
ويدل على ذلك أيضا: ما رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير باب لا هجرة بعد الفتح
1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: لا هجرة ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا.
البخاري (3077)
2 - عن مجاشع بن مسعود قال: جاء مجاشع بأخيه مجالد بن مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا مجالد يبايعك على الهجرة فقال: لا هجرة بعد فتح مكة ولكن أبايعه على الإسلام.
البخاري (3078)
3 - عن عطاء قال: ذهبت مع عبيد بن نمير إلى عائشة رضي الله عنها وهي مجاورة بثبير فقالت لنا: انقطعت الهجرة منذ فتح الله على نبيه صلى الله عليه وسلم مكة.
البخاري (3080)
قال ابن حجر:قوله لا هجرة بعد الفتح: أي فتح مكة
الفتح (6
220)
وقال الخطابي وغيره: كانت الهجرة فرضا في أول الإسلام على من أسلم لقلة المسلمين بالمدينة وحاجتهم إلى الاجتماع؛فلما فتح الله مكة دخل الناس في دين الله أفواجا فسقط فرض الهجرة إلى المدينة , وبقي فرض الجهاد والنية على من قام به أو نزل به عدو انتهى وكانت الحكمة أيضا في وجوب الهجرة على من أسلم ليسلم من أذى ذويه من الكفار؛ فإنهم كانوا يعذبون من أسلم منهم إلى أن يرجع عن دينه وفيهم نزلت {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا}.
الفتح (6
36)
¥