وقال النووي: قال العلماء الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام باقية إلى يوم القيامة وفي تأويل هذا الحديث قولان أحدهما: لا هجرة بعد الفتح من مكة لأنها صارت دار إسلام وإنما تكون الهجرة من دار الحرب وهذا يتضمن معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها تبقى دار الإسلام لا يتصور منها الهجرة.
والثاني: معناه لا هجرة بعد الفتح فضلها كفضلها قبل الفتح كما قال الله تعالى: {لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} الآية
شرح النووي (9
23)
وقال أيضا: وفى الرواية الأخرى لا هجرة بعد الفتح قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام باقية إلى يوم القيامة , وتأولوا هذا الحديث تأويلين:
أحدهما: لا هجرة بعد الفتح من مكة لأنها صارت دار إسلام فلا تتصور منها الهجرة والثاني:وهو الأصح أن معناه أن الهجرة الفاضلة المهمة المطلوبة التي يمتاز بها أهلها امتيازا ظاهرا انقطعت بفتح مكة ومضت لأهلها الذين هاجروا قبل فتح مكة لأن الإسلام قوى وعز بعد فتح مكة عزا ظاهرا بخلاف ما قبله.
شرح النووي (13
8)
وعليه نقول أولا::
أ*- استدلال المخالف بقوله تعالى: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة} على قصر الثناء على المهاجرين والأنصار فقط الذين صحبوه في بداية الدعوة مجازفة ويرده ما قدمناه أن مسمى الهجرة لم ينقطع إلا بفتح مكة , وهذه الآية كانت قبل فتح مكة وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثون ألفا فهم بين اثنين إما مهاجري وإما أنصاري , والثناء يتناول الجميع ولا يخرج منهم إلا ما دل عليه الدليل , ولا يتصور أن يخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الجم ويقصر الله الثناء على ألفين من الصحابة هذا يحتاج إلى دليل خاص.
ب*- وكذلك قوله تعالى: {لايستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى}
فقد وعد الله الحسنى الجميع وهذا عام في الجميع.
ت-كذلك قوله تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} وهذه الآية نزلت بعد صلح الحديبية في فتح مكة.
وكذلك قوله تعالى: {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين * ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين * ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم} وهذه الآية نزلت بعد فتح مكة.
وفيها ثناء عام على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ووصفهم بالمؤمنين في تلك الغزوة.
ث- حاول المخالف أن يدلل على أن الفتح المقصود في الآيات – التي ذكر فيها الفتح -هو صلح الحديبية لا فتح مكة ليتسنى له إخراج من أسلم بعد صلح الحديبية من مسمى الصحبة.
والصواب أن الآيات التي ذكر الله فيها الفتح على أقسام
قال ابن حجر رحمه الله: وهذا موضع وقع فيه اختلاف قديم, والتحقيق أنه يختلف ذلك باختلاف المراد من الآيات فقوله تعالى: {انا فتحنا لك فتحا مبينا} المراد بالفتح هنا الحديبية لأنها كانت مبدأ الفتح المبين على المسلمين لما ترتب على الصلح الذي وقع منه الأمن ورفع الحرب وتمكن من يخشى الدخول في الإسلام والوصول إلى المدينة من ذلك كما وقع لخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهما ثم تبعت الأسباب بعضها بعضا إلى أن كمل الفتح.
وقد ذكر ابن إسحاق في المغازي عن الزهري قال: لم يكن في الإسلام فتح قبل فتح الحديبية أعظم منه إنما كان الكفر حيث القتال؛فلما أمن الناس كلهم كلم بعضهم بعضا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة , ولم يكن أحد في الإسلام يعقل شيئا إلا بادر إلى الدخول فيه؛ فلقد دخل في تلك السنتين مثل من كان دخل في الإسلام قبل ذلك أو أكثر. قال ابن هشام: ويدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم خرج في الحديبية في ألف وأربعمائة ثم خرج بعد سنين إلى فتح مكة في عشرة آلاف انتهى.
وهذه الآية نزلت منصرفه صلى الله عليه وسلم من الحديبية كما في هذا الباب من حديث عمر.
وأما قوله تعالى في هذه السورة: {وأثابهم فتحا قريبا} فالمراد بها فتح خيبر على الصحيح لأنها هي التي وقعت فيها المغانم الكثيرة للمسلمين.
¥