كلها صحب , واتفقت الروايات على ذكر الصحابة والتابعين وتابعيهم وهم القرون ...
ففي الحديث الأول هل فيكم من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: هل فيكم من رأى من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدل على أن الرائي هو الصاحب وهكذا يقول في سائر الطبقات في السؤال هل فيكم من رأى من صحب من صحب رسول الله ثم يكون المراد بالصاحب الرائي.
وفي الرواية الثانية: هل تجدون فيكم أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقال في الثالثة هل فيكم من رأى من رأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومعلوم إن كان الحكم لصاحب الصاحب معلقا بالرؤية ففي الذي صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق الأولى والأحرى.
ولفظ البخاري قال فيها كلها صحب , وهذه الألفاظ إن كانت كلها من ألفاظ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهي نص في المسألة , وإن كان قد قال بعضها والراوي مثل أبي سعيد يروي اللفظ بالمعنى؛ فقد دل على أن معنى أحد اللفظين عندهم هو معنى الآخر وهم أعلم بمعاني ما سمعوه من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأيضا: فإن كان لفظ النبي صلى الله عليه وسلم رأى فقد حصل المقصود وإن كان لفظه صحب في طبقة أو طبقات؛ فإن لم يرد به الرؤية لم يكن قد بين مراده فإن الصحبة اسم جنس ليس لها حد في الشرع ولا في اللغة والعرف فيها مختلف.
والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقيد الصحبة بقيد ولا قدرها بقدر بل علق الحكم بمطلقها ولا مطلق لها إلا الرؤية , وأيضا فإنه يقال صحبه ساعة وصحبه سنة وشهرا فتقع على القليل والكثير؛ فإذا أطلقت من غير قيد لم يجز تقييدها بغير دليل بل تحمل على المعنى المشترك بين سائر موارد الاستعمال.
ولا ريب أن مجرد رؤية الإنسان لغيره لا توجب أن يقال قد صحبه , ولكن إذا رآه على وجه الاتباع له والاقتداء به دون غيره والاختصاص به , ولهذا لم يعتد برؤية من رأى النبي صلى الله عليه وسلم من الكفار والمنافقين؛ فإنهم لم يروه من قصده أن يؤمن به ويكون من أتباعه وأعوانه المصدقين له فيما أخبر المطيعين له فيما أمر الموالين له المعادين لمن عاداه الذي هو أحب إليهم من أنفسهم وأموالهم وكل شيء.
وامتاز أبو بكر عن سائر المؤمنين بأن رآه وهذه حاله معه فكان صاحبا له بهذا الاعتبار.
منهاج السنة (8
388)
2 - ودليل ثان ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: وددت أني رأيت إخواني قالوا: يا رسول الله أولسنا إخوانك؟ قال:
بل أنتم أصحابي, وإخواني الذين يأتون بعدي يؤمنون بي ولم يروني.
ومعلوم أن قوله إخواني أراد به إخواني الذين ليسوا بأصحابي , وأما أنتم فلكم مزية الصحبة ثم قال: قوم يأتون بعدي يؤمنون بي ولم يروني.
فجعل هذا حدا فاصلا بين إخوانه الذين ود أن يراهم وبين أصحابه فدل على أن من آمن به ورآه فهو من أصحابه لا من هؤلاء الإخوان الذين لم يرهم ولم يروه.
فإذا عرف أن الصحبة اسم جنس تعم قليل الصحبة وكثيرها وأدناها أن يصحبه زمنا قليلا
منهاج السنة (8
389)
3 - وعن أنس قال: ذكر مالك بن الدخشن عند النبي صلى الله عليه وسلم فوقعوا فيه يقال له: رأس المنافقين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " دعوا أصحابي لا تسبوا أصحابي "
قال الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح.
ومالك بن الدخشن رضي الله عنه اتهمه بعض الصحابة بالنفاق , وقد رفض النبي صلى الله عليه وسلم التكلم عليه , وأصل الحديث في الصحيحين عن عتبان بن مالك وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدرا من الأنصار: أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أنكرت بصري وأنا أصلي لقومي؛ فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم لأصلي لهم فوددت يا رسول الله أنك تأتي فتصلي في بيتي فأتخذه مصلى فقال: سأفعل إن شاء الله. قال عتبان: فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر حين ارتفع النهار؛ فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فأذنت له فلم يجلس حتى دخل البيت ثم قال لي: أين تحب أن أصلي من بيتك. فأشرت إلى ناحية من البيت؛ فقام النبي صلى الله عليه وسلم فكبر فصففنا فصلى ركعتين ثم سلم , وحبسناه على خزير صنعناه فثاب في البيت رجال من أهل الدار ذوو عدد فاجتمعوا فقال قائل منهم
¥