عن آخر بلا تدبر ولا فحص ولا إمعان، حتى لكأنَّ الأمر لا يمر على الآذان ولا تتملاه الرؤوس، ولا تتدبره العقول، فينطق اللسان بالإشاعة الباطلة من غير وعي ولا عقل ولا قلب. فعلى ناقل الإشاعة أنْ يتقي الله في نفسه، ويراقبه في كل ما يقول ويفعل. وعليه أنْ يتذكر أنَّه مُحاسَب على كل كلمة يتكلم بها، وقد قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يزلّ بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب)) (4)، وقال أيضاً:
((إنَّ العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات، وإنَّ العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم)) (5).
وقال تعالى: ((وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً)) [النساء: 83]. قال الشيخ عبد الرحمان السعدي رحمه الله عن هذه الآية الكريمة: ((هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق، وأنَّه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين، أو الخوف الذي فيه مصيبة عليهم أنْ يثبتوا، ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى أولي الأمر منهم، أهل الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها)) (6).
أما طرق دحض الإشاعة
فعليك تذكير الناقل للإشاعة بالله وتحذيره من مغبة القول بلا علم. وتذكير الناقل بالعاقبة المتحصلة إذا كانت الإشاعة كذباً. وعدم التعجل في تقبل الإشاعة دون استفهام أو اعتراض. وعدم ترديد الإشاعة؛ لأنَّ في ذلك انتشاراً لها. وعليك اقتفاء سير الإشاعة وتتبع مسارها للوصول إلى مطلقيها ومحاسبتهم بما أباحه الله.
ثم عليك بإماتتها وبالإعراض عنها، قال الإمام مسلم صاحب الصحيح: ((إذ الإعراض عن القول المطّرح أحرى لإماتته وإخمال ذكر قائله، وأجدر أن لا يكون ذلك تنبيهاً للجُهّال عليه)) (8).
هذا وينبغي على الجميع حفظ الألسن عن اتهام البريء بما ليس فيه؛ لأنَّ ذلك يؤدي إلى تلوث الذمم والأخلاق، وليتذكر المسلم دائماً قوله صلى الله عليه وسلم: ((بحسب امرئ من الشر أنْ يحقر أخاه المسلم)) (9).
.......................................
(1) الإشاعة والحرب النفسية: 45.
(2) هذا في عام 1426هـ على جسر الأئمة الذي يربط منطقة الأعظمية بمنطقة الكاظمية.
(3) راجع القصة في صحيح البخاري 6/ 127 (4750)، وصحيح مسلم 8/ 112 (2770) (56). وانظر: الرحيق المختوم: 245 – 247.
(4) أخرجه: البخاري 8/ 125 (6477)، ومسلم 8/ 224 (2988) (50) من حديث أبي هريرة.
(5) أخرجه: البخاري 8/ 125 (6478) من حديث أبي هريرة.
(6) تيسير الكريم الرحمان: 190.
(7) صحيح مسلم 1/ 22.
(8) أخرجه: مسلم 8/ 10 (2564) (32) من حديث أبي هريرة.
ـ[ماهر]ــــــــ[27 - 04 - 07, 09:52 م]ـ
وجوب حفظ اللسان
أخي المسلم الكريم اعلم أنَّ مَن حَفِظَ لِسَانَهُ قَلَّ خطأهُ، وندر عثاره وكان أملك لزمام أمره وأجدر ألا يقع في محذور، وقد بشر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم من يضمن ذلك وضمن له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الجنة في قوله: ((من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة)) وفي رواية أيضاً: ((من توكل لي ما بين رجليه، وما بين لحييه توكلت له بالجنة)) (1).
فعلى هذا ينبغي لكل مكلف أنْ يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاماً ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنةُ الإمساك عنه لأنَّه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك يحصل كثيراً للكثير من الناس.
¥