تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

{وَلاَ تَلبِسُواْ الحَقَّ بِالبَاطِل وَتَكْتُمُواْ الحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلمُونَ}

ـ[ابن عمر عقيل]ــــــــ[29 - 04 - 07, 02:05 ص]ـ

قال تعالى: {وَلاَ تَلبِسُواْ الحَقَّ بِالبَاطِل وَتَكْتُمُواْ الحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلمُونَ}

- فيه أنّه لا يجوز للعالم ولا الداعية أن يكون في كلامه أو فِعاله ما يلبس الحق بالباطل.

وهذا اصل أصيل في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه من السلف والخلف، ولهذا جاء الشرع بالقتال والتمسك بالمبادئ، ولو كان مقابل تضحيات جسيمة، من أجل الحفاظ على نقاء وصفاء الدعوة وثوابتها أصولاً وفروعاً.

ومن أفعال الداعية التي تدخل في التلبيس أن يكون ممالئاً مخالطاً لأهل الأهواء، ولو كان في أصل قوله على منهج السلف، ولهذا لم يكن السلف يفرقون بين المبتدع وبين من يجالسه ويكرمه ..

وفيه آثار كثيرة .. فعن يحيى بن سعيد قالَ: لمّا قدم سفيانُ الثّوري البصرةَ جعلَ ينظرُ في أمرِ الرّبيعِ بن صُبَيح، وقدرِه عند النّاس، سأل أيّ شيء مذهبه؟ قالوا: ما مذهبُه إلاّ السّنّة، قالَ: من بطانتُه؟ قالوا: أهلُ القدرِ، قالَ: هو قدرِيّ.

وقيلَ للأوزاعيّ: إنّ رجلاً يقولُ: أنا أجالِسُ أهلَ السنةِ، وأجالِسُ أهلَ البِدَعِ، فقالَ الأوزاعِي: هذا رجلٌ يريدُ أن يساوِيَ بين الحقِّ والباطِلِ، قالَ ابنُ بطّةَ: معلِّقاً: كثُر هذا الضّربُ مِن النّاسِ في زمانِنا هذا، لا كثّرَهمالله (1).

عن عقبة قالَ: كنتُ عند أرطأةَ بنِ المنذرِ فقالَ بعضُ أهلِ المجلسِ: ما تقولونَ في الرّجلِ يجالِسُ أهلَ السّنّةِ ويخالِطُهم، فإذا ذُكِرَ أهلُ البدعِ قالَ: دعونَا مِن ذكرِهم، لا تذكروهُم (2)، قالَ أرطأةُ: هوَ مِنهم، لا يلَبِّس علَيكم أمرَه، قالَ فأنكرتُ ذلكَ مِن قولِ أرطأةَ، قالَ: فقدِمتُ علَى الأوزاعِيّ وكانَ كشّافاً لهذهِ الأشياءِ إذا بلَغَته، فقالَ: «صدقَ أرطأةُ، والقولُ ما قالَ، هذا يَنهىَ عن ذكرِهم، ومتَى يُحذَرُوا إذا لم يُشادَ بذكرِهم؟!» (3).

وقال الفُضيلُ بنُ عِياض: «لا يمكنُ أن يكونَ صاحبُ سنّةٍ يمالئُ صاحبَ بدعةٍ إلاّ مِن النّفاقِ».

وقالَ عبدالله بن عون: «من يجالِسُ أهلَ البدعِ أشدّ علينا مِن أهلِ البدَعِ» (4).

قالَ الإمامُ محمّد بن الحسينِ الآجُرّيّ:» وبعد هذا نأمرُ بحفظِ السننِ عن رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، وسننِ أصحابهِ رضي الله عنه م، والتابعينَ لهم بإحسانٍ، وقولِ أئمّةِ المسلمين مثلِ مالكِ بن أنَس، و الأوزاعِي، و سفيانَ الثّوري، و ابنِ المبارك، وأمثالهم، والشافعيِّ، و أحمدِ بن حنبل، و القاسمِ بن سَلام، ومن كانَ على طريقةِ هؤلاءِ منَ العلماءِ ـ رضي الله عنه ـم، وننبذُ مَن سِواهم، ولا نناظِر، ولا نجادِل ولا نخاصِم، وإذا لقيَ صاحبَ بِدعةٍ في طريقٍ أخذَ في غيرِه، وإن حضرَ مجلساً هوَ فيه قامَ عَنه، هكَذا أدّبَنا من مَضى من سلفِنا» (5).

وهذا الّذي نقلتُه عَن أئمّة السّلَفِ هوَ حقيقةٌ قرآنيّةٌ، وأصلٌ إيمانيٌّ متعلّقٌ بالغضبِ للهِ والرضاِ له، وبالولاءِ للمؤمنينَ، والبراءِ من المجرمين والخارجينَ عن صراطِ الله تعالى، وإلاّ كيفَ تصحُّ دعوَى محبّةِ اللهِ ورسولِه والسنّةِ النبويةِ والسلفِ الصّالحِ، من شخصٍ بطانتُه ورفقاؤه من أعداءِ هذا المنهَج؟!

وكيفَ يصِحُّ منهُ الثناءُ على المخالِفينَ للسنّةِ من أهلِ الأهواءِ، ومحبّتُهم، والمجاهرةُ بتزكيتِهم، والسكوتُ عن منكراتِهم، في نفسِ الوقتِ الّذي يدّعِي انتسابَه وولاءَه للسنّةِ ومنهجِ السّلفِ الصّالحِ؟!

يقولُ الله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُون * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُون * تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُون* وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُون} [المائدة:81]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير