تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ما وجدت برسيماً ركبت أنت، فكلما كان استيفاء المنفعة مقابل المعقود عليه كان أوفى بالعقد، وإن نقصت فلا مانع، أما إن زادت عن المعقود عليها فلا يحق لك ذلك.

أعلى الصفحة

ما يلزم به صاحب الأرض إن أذن بالزرع

إن زرع الأرض بإذن أصحابها، فهذا يكون منهم بمثابة التنازل عن حقهم بالاستفادة من الأرض، وإن سمحوا له بالاستفادة منها فلا يحق لهم بعد ذلك أن يعارضوا أو يطالبوا برفع الزرع؛ لأنه وضع بالعدالة وليس بالظلم، ووضع البذر وحرث وسقى ونبت بإذنهم ورضاهم، فلا يحق لهم بعد أن وصل الزرع إلى مرحلة ما قبل الحصاد أن يطالبوا برفعه، كمن أعار سفينة لإنسان أو أجّره إياها، وجاء في عرض البحر وقال: رجعت عن الإعارة، أعطني سفينتي، الإعارة عندك مؤقتة، ولصاحبها أن يطلبها حيث شاء، ولكن هل وسط البحر موضع تسليم؟ وأين أذهب بمن فيها؟! لا يحق له ذلك؛ لأنه أعارها وهو يعلم بأنه سيعبر بها النهر. وكذلك الأرض إذا زرع فيها بإذن أهلها، ونبت الزرع، وقارب الحصاد لا يحق له أن يرجع في هذا الإذن؛ لأن فيه مضرة على الزارع وتغرير به، ويجب عليه أن ينتظر حتى يستحصد الزرع ويأخذ زرعه، ويقول له: خذ أرضك. أما إذا كان زرع بغير إذنهم فتلك المنفعة التي يريد أن يأخذها من الأرض فالزرع ملك لأصحابها، ولم يأذنوا لك فيها: (ولا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه)، وهم ما طابت أنفسهم بها، فجاءوا يطالبونه. ولو أنه اغتصب الأرض -على رأي الجمهور بأن الغصب يدخل في العقار غير المتحرك، أي: في المملوك الثابت كالأرض والبنيان، خلافاً للأحناف؛ فإنهم لا يرون الغصب في الثوابت وإنما في المتحركات المتحولات- فإذا اغتصب الأرض واحتواها، فعلم بذلك أصحابها، فجاءوا والأرض على ما هي عليه، لم تدخلها الزيادة والنقصان. كأن يأخذ من ترابها إلى جهات أخرى؛ فتصبح الأرض مجرد حفر أو منخفضة عن جاراتها، وتصبح في هذه الحالة غير صالحة للزراعة حتى تسوى، ويرد لها ما أخذ منها، فيكون هناك نقصان، فإذا أدرك صاحب الأرض أرضه تحت يد الغاصب كما هي ردت إليه بعينها بالإجماع، وليس لهم على الغاصب شيء، وليس للغاصب عندهم شيء، بقي الحق العام -كما يقال- فكونه يتعمد الاعتداء على مال الغير، هذه فوضى، فولي الأمر له أن يعزره على تعديه. أما إذا جاء صاحب الأرض ووجد الزرع، فماذا يكون الحكم؟ هذا يقول: أرضي، والآخر يقول: زرعي. ماذا نفعل معهما؟ الحديث صريح: (من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء، وله نفقته). نسأل الزراع: الزرع هذا كم عمره؟ ومتى يحصد؟ بعد ثلاثة أشهر. إذاً: الزرع لم يأت بالحب في الوقت الحاضر، وجاء صاحب الأرض يطالب بأرضه، فيقال لصاحب الزرع: ليس لك من زرعك شيء؛ لأنك وضعت البذرة، وسقيت الماء فقط، والنبات الذي نبت نموه من الأرض، والأرض ملك لغيرك، فيكون الزرع ملك لغيرك، وما أنفقته حتى صار الزرع إلى هذا الحد فهو حقك، وضعت بذراً فيها بعشرة، وحرثتها بخمسة، وسقيتها ماءً بخمسة، نفقتك على الزرع وصلت إلى هذا الحد فلك هذه النفقة، هذا ظاهر هذا الحديث والله أعلم.

أعلى الصفحة

صورة الصلح بين المتنازعين على الأرض

في هذه المسألة الواردة في هذا الحديث وسع الفقهاء رحمهم الله التفصيل فيها، وقالوا: إذا لم يكن له من الزرع شيء فله النفقة، والزرع يرجع لصاحب الأرض .. فهل يلزم الزارع بأخذ النفقة فقط ويترك الزرع، وهل يلزم أصحاب الأرض بأن يدفعوا النفقة ويأخذوا الزرع؟ لو قالوا: لا نريد الزرع، ليأخذ زرعه، لن ندفع شيئاً .. ماذا يقال لهم؟ في هذه الحالة يخير أصحاب الأرض: في أن تحسب عليه الأرض بالإيجار إلى أن تستحصد، ويكون كالمستأجر من غيره، وبهذا نكون قد جمعنا بين المصلحتين: (لا ضرر ولا ضرار)؛ صاحب الزرع يأخذ زرعه، وصاحب الأرض يأخذ أجرة مثلها، فنكون ضمنا لصاحب الأرض حقه وفائدته من أرضه، وحفظنا على الغاصب زرعه، وقد دفع أجرة الأرض. وابن حزم يشنع على الفقهاء في هذه القضية، ويقول: على هذا فكل من يريد أن يغصب أرضاً ما عليه إلا أن يذهب ويزرع فيها وسوف يدفع الأجرة ويأخذ الزرع، فهذا يمكن المعتدين من زيادة الاعتداء. ولكن الفقهاء يقولون: يجب مراعاة المصلحة، فقولنا له: خذ زرعك وهو إلى الآن لم يستحصده، ماذا سيفعل به؟ سيعدمه، ويتلفه، وإتلاف المال لا يجوز، فإذا أمكن الاستفادة من هذا المال في المستقبل نحافظ عليه، وأنت يا صاحب الأرض لما فاتت عليك مصلحة أرضك، نضمنها لك بالأجرة

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير