ومما يدل على هذا - أيضا - قول الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى} الآية، وقال {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَاب} الآية [البقرة: 266].
وفي صحيح البخاري " أن عمر سأل الناس عنها فقالوا: الله أعلم فقال ابن عباس: ضربت مثلا لعمل، قال عمر: لأي عمل؟ قال ابن عباس: لعمل، قال عمر: لرجل غني يعمل بطاعة الله ثم يبعث الله إليه الشيطان فيعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله.
وقال عطاء الخراساني: هو الرجل يختم له بشرك أو عمل كبيرة فيحبط عمله كله. وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من ترك صلاة العصر حبط عمله ".
وفي " الصحيح " - أيضا - أن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان فقال الله: " من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان، قد غفرت لفلان وأحبطت عملك ".
وقالت عائشة: أبلغي زيدا أنه أحبط جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب.
وهذا يدل على أن بعض السيئات تحبط بعض الحسنات، ثم تعود بالتوبة منها.
وخرج ابن أبي حاتم في " تفسيره " من رواية أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون أنه لا يضر مع الإخلاص ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل صالح، فأنزل الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم} [محمد: 33] فخافوا الكبائر بعد أن تحبط الأعمال ْ.
وبإسناده، عن الحسن في قوله {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم} قال: بالمعاصي. وعن معمر، عن الزهري في قوله تعالى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم} قال الكبائر. وبإسناده، عن قتادة في هذه الآية قال: من استطاع منكم أن لا يبطل عملا صالحا بعمل سيء فليفعل ولا قوة إلا بالله؛ فإن الخير ينسخ الشر، وإن الشر ينسخ الخير، وإن ملاك الأعمال: خواتيمها.
وعن السدي قال في هذه الآية يقول: لا تعصوا الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يأمركم به من القتال فتبطل حسناتكم. وعن مقاتل بن حيان قال: بلغنا أنها نزلت فشقت على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم يؤمئذ يرون أنه ليس شيء من حسناتهم إلا هي مقبولة، فلمت نزلت هذه الآية قال أبو بكر: ما هذا الذي يبطل أعمالنا. فبلغني - والله أعلم - أنهم ذكروا الكبائر التي وجبت لأهلها النار حتى جاءت الآية الأخرى {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِه شيءِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}، فقال ابن عمر: لما كانت هذه الآية كففنا عن القول في ذلك ورددنا إلى الله عز وجل، وكنا نخاف على من ركب الكبائر والفواحش أنها تهلكه.
والآثار عن السلف في حبوط الأعمال بالكبيرة كثيرة جدا يطول استقصاؤها، حتى قال حذيفة قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة، وخرجه البزار عنه مرفوعا.
وعن عطاء قال: إن الرجل ليتكلم في غضبه بكلمة يهدم بها عمل ستين سنة أو سبعين سنة.
وقال الإمام أحمد في رواية الفضل بن زياد، عنه: ما يؤمن أحدكم أن ينظر النظرة فيحبط عمله.
وأما من زعم أن القول بإحباط الحسنات بالسيئات قول الخوارج والمعتزلة خاصة، فقد أبطل فيما قال ولم يقف على أقوال السلف الصالح في ذلك.
نعم المعتزلة والخوارج أبطلوا بالكبيرة الإيمان وخلدوا بها في النار، وهذا هو القول الباطل الذي تفردوا به في ذلك)
الخلاصة:
1 - أنَّ الحديثَ على ظاهره،
2 - وأنَّ الأعمال التي تحبط هي أعمال الجوارح،
3 - وأنَّ الإيمان لا يزول بسبب حبوط هذه الأعمال،
4 - وأنَّ أجر هذه الأعمال يعود بالتَّوبة النَّصوحِ،
5 - وأنَّ الفرق بين أهل السُّنَّة والخوراج والمعتزلة [والإباضية] أنَّ أهل السُّنَّة لا يحبطون إيمان فاعل الكبيرة، أمَّا الخوارج فيحبطون أعماله كلَّها؛ أعمالَ القلوب والجوارح، فهو عندهم كافرٌ.
فاللهَ اللهَ باجتناب المحرَّمات لا تحبطنَّ أعمالكم بذنوبكم! الأمر يا أخواني جدّ خطير
اللَّهمَّ يا لطيف الطفْ بنا، وارحم ضعفنا، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفةَ عين، اللَّهمَّ احفظ علينا ديننا، وقنا ما يحبط أعمالنا، وأحينا على الإسلام والسنة وتوفّنا عليهما إنَّك وليُّ ذلك والقادر عليه.
والله أعلم
ـ[أبو ثابت]ــــــــ[26 - 04 - 07, 11:32 ص]ـ
إن ما ذكرَه الفاضلان: إحسان العتيبي، أبو علي قد أفادني كثيراً.
ولا أملك لهما سوى الشكر والدعاء، وأحسبهما دون الجزاء والوفاء.
ـ[الضبيطي]ــــــــ[26 - 04 - 07, 03:41 م]ـ
ما أكبر عقلك! وما أ حسن اختيارك! يا أخي / إحسان العتيبي.
اختصرت وأفدت، فرحمك الله وجزاك خيرا.
وشكرا للأخ الفاضل / أبا علي على خلاصته.
ـ[إحسان العتيبي]ــــــــ[26 - 04 - 07, 06:20 م]ـ
شكر الله لكم
وجزاكم خيراً
ونفع بكم
ـ[البياعي]ــــــــ[26 - 04 - 07, 07:20 م]ـ
جزاك الله خيرا أخي إحسان والله فائدة ... تكتب بماء العيون
¥