وقال بعض من تكلم على الطب النبوي لو قال فيه الشفاء للناس لكان دواء لكل داء، ولكن قال فيه شفاء للناس
وبالاستقراء لآثار السلف من الصحابة والتابعين نجدهم قد درجوا على الاعتقاد بأن الشفاء من جميع الأمراض محقق بالعسل استناداً إلى نص القرآن، وهذا يعني أنهم فهموا من النص القرآني أنه شفاء من كل داء.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: إن العسل فيه شفاء من كل داء، والقرآن شفاء لما في الصدور.
وقال علي رضي الله عنه:
كونوا في الدنيا كالنحلة؛ كل الطير يستضعفها وما علموا ما ببطنها من النفع والشفاء.
وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لا يشكو قرحة ولا شيئا إلا جعل عليه عسلا حتى الدمل إذا كان به طلاه عسلا، فقال له تلميذه نافع: تداوي الدمل بالعسل؟ فقال أليس يقول الله: {فيه شفاء للناس}
وكان الربيع بن خثيم (وهو من كبار التابعين) يقول ليس للنفساء مثل الرطب، ولا للمريض مثل العسل.
وكان (يزيد بن عبيد) أبو وجزة السعدي (وهو من التابعين) يستعمل العسل في جميع الأمراض حتى في الكحل
على أن الذين استنتجوا من لفظ القرآن الكريم (فيه شفاء للناس)، أنه لما جاء مُنَكَّراً لم يعم جميع الأسقام ولو قال فيه الشفاء للناس لكان دواء لكل داء؛ يُرَدُّ عليهم بما ورد في السنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أورد الشفاء معرفاً لا منَكَّراً بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم ذكره:
"عليكم بالشفاءين العسل والقرآن".
والسنة – كما هو معلوم – مبينة للقرآن الكريم.
ثم إن إيراد السنة المطهرة لشفاء العسل مقترناً بشفاء القرآن الكريم يدل على عموم الشفاء في العسل لجميع الأسقام الجسدية، لأنه جاء مقترناً مع شفاء يعم جميع أسقام النفس وهو شفاء القرآن الكريم.
والله تعالى أعلم.
وختمت آية العسل في القرآن الكريم بقوله تعالى:
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
أي يتفكرون في عظمة خالقها ومسخرها وميسرها مستدلين بذلك على أنه سبحانه الفاعل القادر الحكيم العليم.
ونتساءل هل ذكر العسل في القرآن الكريم في غير هذه المواضع؟
والجواب عليه نعم إنه ذكر فيه لكن بغير اسمه.
قال تعالى: {وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}.
قال المؤرج وهو أحد علماء اللغة والتفسير: إن السلوى: هو العسل.
وذكر أنه كذلك بلغة كنانة وقد سمي به لأنه يسلى به (أي تجد النفس فيه سلوانا) – أي نسياناً للهم -.
وقال الجوهري أيضاً: السلوى: العسل.
ولا يُعترض على هذا الإيراد بأن العسل قد ذكر في الأشربة، أما السلوى فقد ذكر في الطعام بقوله تعالى:
(وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد)، والمقصود المن والسلوى، لأن لفظ الطعام يطلق على ما يُطعَم ويُشرَب قال الله تعالى في ماء النهر الذي ابتلي به جنود طالوت: (ومن لم يطعمه فإنه مني)
وهكذا يكون القرآن الكريم قد أورد ذكر العسل في الغذاء والدواء، إضافة إلى إيراده بين ما يُتنعّم به في الجنة، ومع أن نعيم الجنة ولذائذها هو أعلى وأسمى من نعيم الدنيا ولذائذها، لكن المتأمل يأخذ من ذلك الورود إشارة وفائدة.
اختيار العسل في الشراب المحبوب:
وزيادة على ما تقدم من الأحاديث النبوية الواردة في العسل عند تفسير الآيات السابقة؛ نجد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته القولية والفعلية، أخباراً أخرى وفوائد تضاف إلى ما ذكر آنفاً.
فقد دخل العسل في طعام النبي صلى الله عليه وسلم وشرابه المعتاد:
وروت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الحلواء والعسل
وروت أن أحب الشراب إليه العسل
وفي روايات حديث الإسراء أن ملكاً قدم للنبي صلى الله عليه وسلم عند الصخرة التي في المسجد الأقصى آنية ثلاثاً في أحدها العسل وأنه صلى الله عليه وسلم اختار شربه.
مسائل متفرقة في العسل:
1 – ما ذكر في السنة أنه يُفْسِدُ العسل:
قال صلى الله عليه وسلم:
الحسد يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل
ولعل الصبر - وهو مادة شديدة المرارة - تفسد العسل من جهة طعمه.
وقال صلى الله عليه وسلم:
الخلق الحسن يذيب الخطايا كما يذيب الماء الجليد، والخلق السوء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل
وربما كان إفساد الخل للعسل من جهة تكوينه وتراكيبه.
2 – بيان إمكان التخمر في العسل:
قال صلى الله عليه وسلم:
من الحنطة خمر، ومن التمر خمر، ومن الشعير خمر، ومن الزبيب خمر، ومن العسل خمر
3 – هل في العسل زكاة؟:
كتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله أن لا يأخذ من الخيل ولا العسل صدقة.
وذهب الأئمة الشافعي ومالك إلى أن لا زكاة في العسل، وضعَّف أحمد حديثَ أنه صلّى الله عليه وسلّم أخذ من العسل العُشر.
أما أبو حنيفة فقال بوجوب الزكاة في العسل - في قليله وكثيره، لأن النصاب عنده فيه ليس بشرط، وقال: إنه يجب العشر فيه.
وفرق أبو يوسف بين العسل الجبلي وغيره وذهب إلى أنه لا زكاة في العسل الجبلي.
يلاحظ مما تقدم أن أكثر الأئمة على أن لا زكاة في العسل، وقد تكون دلالة ذلك في النتيجة حثّاً على شُربه والانتفاع به.
4 – هل كان العسل يقسم في الغنائم؟:
قال ابْن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ.
والمعنى: أنهم كانوا يأكلونه ولا يرفعونه إلى متولي قسمة الغنائم.
الخلاصة:
نجد من البحث المتقدم أن القرآن الكريم والسنة المطهرة قد أوليا أهمية كبيرة للعسل غذاء ودواء، واعتنى بهما عناية كبيرة، وما قدمته نزر يسير من كثير والله تعالى ولي التوفيق
والحمد لله رب العالمين.
د. محمود أبو الهدى الحسيني. من موقعه
http://www.albadr-alkamel.com/arabic/man-mainpage.htm
¥