قلت: فتبين من ذلك كله أن عدم احتجاج الإمامين البخاري ومسلم للإمام الشافعي في صحيحهما؛ إنما هو لغرض علو الإسناد فحسب.
ومثل الإمام الشافعي أيضًا في عدم احتجاج الإمامين البخاري ومسلم له في صحيحهما: الإمام الثقة الحافظ أبي داود الطيالسي، فقد قال الإمام الذهبي – رحمه الله تعالى – في تلخيص المستدرك (1/ 89) متعقبًا الحاكم في جعله حديثًا من رواية أبي داود الطيالسي على شرط البخاري: ((قلت – أي الذهبي-: لكن لم يخرج لأبي داود الطيالسي)).
قلت: وقد ذكرت علة عدم إخراج الإمام البخاري لأبي داود الطيالسي في كتابي الجديد: ((الجرح والتعديل)) للإمام الذهبي، وهو الآن يطبع في مصر، ولا بأس أن أنقل لإخواني الكرام ما ذكرته هناك، وهو كما يلي: ((قاله الذهبي تعقيبًا على قول الحاكم في حديث من رواية أبي داود الطيالسي أنه على شرط الإمام البخاري - رحمه الله - وليس مقصد الذهبي في ذلك تضعيفًا لأبي داود؛ بل هو مجرد بيان في عدم إخراج البخاري له)).
فإن قيل: فما السبب في عدم إخراج الإمام البخاري لأبي داود الطيالسي في صحيحه، مع أنه ثقة متفق عليه؟!
قلت الجواب عن ذلك: أن البخاري دائمًا ينتقي الأسانيد العالية، مع إتقان رواتها، فإذا كان هناك راويان ثقتان، ويشتركان في الرواية عن شيخ معين، وكانت رواية البخاري عن هذا الشيخ بعينه من طريق أحد هذين الروايين أعلى من الآخر فإنه يروي عن طريق هذا العالي، ويعرض عن الآخر، لا من أجل ضعفه؛ بل من أجل نزوله وإذا نظرنا إلى أعلى وأرقى شيخ يروي عنه أبو داود الطيالسي وجدناه: شعبة بن الحجاج، فالبخاري يروي في صحيحه أحاديث شعبة من طريق شيخ واحد مثل ما جاء في كتاب الإيمان، باب: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده (1/ 69/10): ((حدثنا آدم بن أبي إياس، قال: حدثنا شعبة ... )).
وأما إذا أراد أن يروي أحاديث شعبة من طريق أبي داود الطيالسي، فسيكون بينه وبين شعبة راويان اثنان، مثاله: ما وقع في تاريخه الكبير (4/ 185) في ترجمة سوادة بن عاصم العنزي، قال: ((حدثني محمد بن بشار، نا أبو داود، نا شعبة ... )).
وكذلك قوله في ترجمة صدقة بن الغدير من تاريخه (4/ 294): ((قال جراح، قال: نا أبو داود، نا شعبة ... )). فكان مراد البخاري في ذلك كله العلو. والله الموفق.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلىآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
وكتب: خليل بن محمد العربي
ـ[أبو حميد الفلاسي]ــــــــ[19 - 01 - 03, 10:17 م]ـ
للرفع
ـ[راشد]ــــــــ[19 - 01 - 03, 11:01 م]ـ
جزاك الله خيراً
ومن المناسب هنا بيان موقف البخاري ومسلم من الإمام جعفر الصادق:
الإمام جعفر الصادق
اسمه ونسبه:
هو الإمام جعفر بن محمد بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن الصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه ابن عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وزوج ابنته فاطمة البتول رضي الله عنها وأرضاها.
هذا نسبه من جهة أصوله، ومن جهة أخواله فهو ابن أبي بكر الصديق أفضل أولياء الله، وصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من جهتين، حيث كان جعفر الصادق يقول: ولدني أبو بكر الصديق مرتين.
وذلك أن أمه هي: أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق. وأمها- أي جدته من قبل أمه- هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين.
فإذا كان هؤلاء أخواله، وهذا الصديق جده من الجهتين فلا يتصور في مثل جعفر بن محمد وهو من هو في دينه وقربه من الأصل النبوي، أن يكون شاتماً أو مبغضاً أو حاقدا على جده، إذ لا تقره مروءته وشيمته وعروبته فضلأ عن دينه وكمال علمه وفضله.
ولد سنة ثمانين من الهجرة، وتوفي سنة 148 هـ وعمره ثمان وستون سنة، با لمدينة مكان ولادته ووفاته.
لقبه:
لُقب جعفر بن محمد بالصادق، وغلب هذا اللقب عليه، فلا يكاد يذكر إلا وينصرف إليه، وسببه أنه كان صادقاً في حديثه وقوله وفعله، لا يعرف عنه سوى الصدق، ولم يعرف عنه كذب قط.
بأبيه اقتدى عدي بالكرم ومن يشابه أباه فما ظلم
حيث جده الصديق الذي نزل فيه قوله تعالى في آخر التوبة ((يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين))
وقد اشتهر لقبه هذا بين المسلمين، وكثيراً ما يلقبه به الشيخ ابن تيمية وغيره.
¥