ثم يقال لك: إن الأدلة التي استدللت بها (حديث ابن عمر، وحديث جابر، وحديث عطاء، وحديث ابن عباس في تفسير التفث وهو في الحج) كلها صريحة في أن هذا الأخذ كان في النسك.
بل حديث جابر الذي استدللت به نصه (كنا نعفي سبالنا إلا في حج أو عمرة)، قد صرح فيه أنهم يعفون لحاهم في غير النسك، إذن ما فائدة نقلهم لقيد (في الحج والعمرة)؟
وكيف يكون هذا القيد بعد ذلك غير مؤثر؟.
وقول عطاء الذي احتججت به (كانوا يحبون أن يعفوا اللحية إلا في حج أو عمرة)، تصريح بأنهم يعفون لحاهم في غير النسك، وتصريح أيضاً أن معنى الإعفاء هو الترك مطلقاً (1).
فمن أخذ من لحيته في غير النسك فقد خالف هدي سيد المرسلين لعموم أدلة الأمر بالإعفاء، وخالف هدي الصحابة بدليل حديثك الذي حسنته (كنا نعفي سبالنا إلا في حج أو عمرة)، وحديث عطاء، وحديث ابن عمر، وحديث ابن عباس في تفسير التفث، وهذه عمدتك في الأخذ من اللحية.
فهل من مظاهر الإنصاف:
أن تستدل بجزء من حديث وتترك آخر؟ وتحاول تضعيف دلالته في الجانب الآخر مع أنهما سواء في الدلالة؟.
فهذا جابر قال (كنا نعفي سبالنا إلا في حج أو عمرة):
لماذا لم تأخذ بأول كلامه، ومعناه: نعفي السبال في جميع الأحوال؟ بل أخذت بما استثناه، ثم عممته!!.
وهذا عطاء قال (كانوا يحبون أن يعفوا اللحية إلا في حج أو عمرة):
لماذا لم تأخذ بما أحبوه من الإعفاء في غير الحج والعمرة؟ وإنما أخذت المستثنى فعممته على جميع الأحوال، وليس هذا من الإنصاف.
وجعلت هذا القيد غير مؤثر مع تصريح عطاء بأنهم يحبون الإعفاء في غير النسك، وتصريح جابر بأنهم يعفون في غير النسك.
بل وقلت في الإنصاف ص 8 (وقد وقفت على أن الأخذ من اللحية في النسك هو مذهب الصحابة)، فأين الإنصاف هنا عافاك الله ووفقك وهداك، وجعل الجنة مثوانا ومثواك؟.
المظهر السادس:
طي الشيخ دبيان لرأي أبي داود والبيهقي في معنى السبال ولبعض علل حديث جابر:
ذكر الشيخ في الإنصاف ص50 حديث جابر رضي الله عنه (كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة).
والكلام على مظاهر الإنصاف هنا في عدة أمور:
الأمر الأول:
أن أبا داود (وهو الراوي لهذا الحديث وقد خرّجه صاحب الإنصاف منه) قد بوّب عليه باباً سماه (باب في أخذ الشارب)، وهذا يبين لنا أن أبا داود هذا فهمه للحديث، وأن المقصود بالسبال هنا هو الشارب، والكلام هنا في طي الشيخ وفقه الله لهذا التبويب مع اطلاعه عليه!!.
مع العلم أنه في التعزيز 69 قال – لما رجّح الشيخ عبدالكريم الحميد أن معنى السبال في حديث جابر هو الشارب-: (وإني أطالب عبدالكريم من أين أخذ هذا الفهم من كلام أهل العلم)، ووصف هذا القول: (بأنه فهم لم يسبق إليه)، وقال: (ولا قائل به إلا في رأسه)، وقال: (كل هذا مع ما فيه من جرأة على الفتوى دون بحث، ودون أن يكون لهم إمام في ذلك)، وقال: (إنه من التأويل المذموم للنصوص المبني على اعتقاد سابق).
وقد أثبتنا لك أن فتوى الشيخ عبدالكريم - نفع الله بعلمه - ليست جرأة على الفتوى دون بحث، و أنها من التأويل الصحيح وأنه لا استعجاب منها، فقوله موافق لتبويب أبي داود رحمه الله في تفسير السبال بالشارب، وقد قمت – أنت – بتخريج هذا الحديث من سنن أبي داود.
الأمر الثاني:
أن البيهقي ذكر هذا الحديث في سننه (5/ 33) وبوّب عليه باباً سماه (باب ما جاء في توفير شعر الرأس للحلاق في الاختيار)، ومع ذلك لم تنقل لنا هذا القول، ولا هذا التبويب، ولا هذا التفسير للسبال، مع أنك يا شيخ - نفع الله بك - كثير الرجوع لسنن البيهقي وقد تكلفت في جمع الأدلة كما يظهر لنا من خلال الكتابين، علماً أنك نقلت لنا قول ابن حجر رحمه الله في تفسير السبال وهو ما يوافق قولك، وتركت تلك الأقوال!!
أيضاً: فإن الشيخ اعتمد على تحسين الحديث على رأي ابن حجر - أعني حديث جابر -، وهذا - فيما يبدو لي - ليس من عادة الشيخ، بل إن الشيخ يذكر الحديث في أحد الصحيحين أحياناً ويتبع ذلك تخريجه له.
فهل من مظاهر الإنصاف:
أن تتتبع علل الأحاديث التي لا توافق رأيك، وتترك غيرها؟.
الأمر الآخر:
¥